السلآم عليكم
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله الصادق الأمين ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الغر
المحجلين ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
. . أما بعد :فإن الله جل وعلا أغدق على عباده النعم ، ظاهرة وباطنة ، وقليل من الناس من
يدرك تلك الحقيقة فيرعاها حق رعايتها ، رجاء حفظها ، وأداءً لواجبها ، ولكن
أكثر الناس ربما غفلوا عن تلك الحقيقة ، فأساءوا إلى ربهم ، وأسرف بعضهم
في الطغيان ، ويجسد القرآن الكريم هذه الحقيقة ، وهي حقيقة جحود النعم ،
فيقول سبحانه : " وقليل من عبادي الشكور " [ سبأ 13 ] ، ويقول سبحانه : "
ولا تجد أكثرهم شاكرين " [ ] ، وقال تعالى : " وما يجحد بآياتنا إلا كل
ختار كفور " [ لقمان 32 ] ، قال ابن كثير رحمه الله
: " الختار : هو الغدار
، وهو أتم الغدر وأبلغه ، قال عمرو بن معد يكرب :
وإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر
وقوله : " كفور " أي : جحود للنعم لا يشكرها ، بل يتناساها ولا يذكرها [ تفسير القرآن العظيم 1069 ] .
فشروط سعادة العبد ثلاثة :1- أن يكون العبد ممن إذا أنعم الله عليه شكر .
2- وإذا ابتلى صبر .
3-
وإذا أذنب استغفر ، فإن هذه الأمور الثلاثة ، عنوان سعادة العبد ، وعلامة
فلاحه في دنياه وأخراه ، ولا ينفك عبد عنها أبداً ، فإن العبد دائم التقلب
بين هذه الأطباق الثلاث .
فنعم الله تعالى تترادف على عبده ، وقيدها الشكر ، وهو مبني على ثلاثة أركان :
1- الاعتراف بها باطناً .
2- التحدث بها ظاهراً .
3- تصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها ، فإذا فعل ذلك فقد شكرها ، مع تقصيره في شكرها .
ومن
حكمة الله تعالى الخبير الحكيم ، أنه خلق الخلق في دار الدنيا ، وهي دار
الابتلاء والامتحان ، ليجزيهم أيهم أحسن عملاً ، فالله تعالى يبتلي عباده
بشتى صنوف الفتن والمصائب ، وفرض العبد في تلك المحن والفتن الصبر والتسلي ،
وأركان الصبر ثلاثة :
1- حبس النفس عن التسخط بالمقدور .
2- وحبس اللسان عن الشكوى .
3- وحبس الجوارح عن المعصية ، كاللطم ، وشق الثياب ، ونتف الشعر ونحوه .
فمدار
الصبر على هذه الأركان الثلاثة ، فإذا قام به العبد كما ينبغي ، انقلبت
المحنة في حقه منحة ، واستحالت البلية عطية ، وصار المكروه محبوباً ، فإن
الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه ، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته ،
فإن لله تعالى على العبد عبودية [ الوابل الصيب بتصرف ] .
والحمد
لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وأصلي وأسلم على خير البشر محمد بن عبد
الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه واقتفى أثره إلى يوم القيامة