كيف تكونين زوجة صالحة وأماً ناجحة
الفصل الأول
مفهوم الزواج في الإسلام
قال تعالى: (( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ))
الزواج هو سنة كونية أصيلة وضرورة أساسية من الضرورات التي لا غنى عنها في الحياة، قال تعالى: ((سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون)).
وقال تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية)) الآية. [ الرعد: 38] فنظام الزواج ليس دائرة ضيقة مقصورة على الإنسان والحيوان والنبات، بل هو سنة كونية دقيقة واسعة المدى اتخذت مكانها في أفراد الكائنات، وقسمت كل نوع إلى قسمين... وحلت في أحد القسمين بسر يخالف السر الذي حلت به في القسم الآخر، على نحو ما حلت في السالب والموجب في عالم الكهرباء... فالسر الذي يحمله السالب من سنة الله غير الذي يحمله الموجب... ولا تعطى سنة الله ثمراتها إلا إذا التقى السران، واجتمع شمل السالب بالموجب على النحو المعروف، فإذا لم يجتمع السران ولم يلتق السالب بالموجب، ظلت سنة الله معطلة وظل الحنين الأزلي ينازع أفراد جنس السالب إلى أفراد جنس الموجب، وظل جنس الموجب في مثل الحنين يرنو إلى الالتئام بجنس السالب..
حقاً إنها فطرة الله التي فطر الناس عليها.
.... ومن أجل ذلك خلق الله سبحانه وتعالى من ضلع آدم زوجه حواء ليسكن إليها ويأنس بها.
.... ومن أجل ذلك أقر الاسلام الزواج، ونادى به رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه في قوله صلى الله عليه وسلم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة](يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج..))الحديث [الجماعة] .... ومن أجل ذلك تبرأ رسولنا ممن زهد عن الزواج ولو بغرض العبادة فقال صلى الله عليه وسلم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة](من رغب عن سنتي فليس مني )) وهذا قول من حديث رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: ((جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته عليه الصلاة والسلام، فلما أخبروا كأنهم تقالوها (أي وجدوها قليلة) فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر أبداً، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]( أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم. وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )).
.... ومن أجل ذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج نصف الدين في قوله[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة](إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي )).
.... ومن أجل ذلك آثر النبي صلى الله عليه وسلم الدين والخلق على كل شيء في قوله صلى الله عليه وسلم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة](إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) [رواه الترمذي].
الفصل الثاني
فوائد الزواج في الإسلام
للزواج الإسلامي فوائد عدة منها:
أولاً: بقاء النوع الإنساني بالتناسل والتكاثر:
فالزواج هو الطريق الذي لا بديل له لزيادة النسل الإنساني واستمراره وبقائه
إلى قيام الساعة، لقوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء} وقال تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} [النحل: 72].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإفي مباهٍ بكم الأمم) [البيهقي].
ثانياً: تحصين الزوجين من الوقوع في الفاحشة ودفع شرور الشهوة وغض البصر عن النظر إلى المحرمات:
ولهذا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشباب إلى الزواج من أجل تحقيق تلك الفائدة
في قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج 00)) الحديث.
وثالثاً: تروج النفس وإيناسها بمجالسة الزوج والسكن إليه:
فالاستئناس راحة نفسية، تزيل الكرب وتروح القلب وتدفع عن النفس ما ينتابها من الملل.
يقول الغزالي رحمه الله عن بعض فوائد الزواج:
تروج النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة.. وإراحة القلب وتقوية له على العبادة. فإن النفس ملول وهي عن الحق نفور لأنه على خلاف طبعها، فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وتأبت وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات، قويت ونشطت.
وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروح القلب، وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات، ولذلك قال الله تعالى: {ليسكن إليها}. وقال علي رضي الله عنه: روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت) اهـ الزواج الإسلامي السعيد 37.
ويقول الأستاذ محمود الشريف في كتابه الإسلام والحياة الجنسية:
(فالزوجة ملاذ الزوج بعد جهاده اليومي في سبيل تحصيل لقمة العيش، يركن إلى مؤنسته بعد كده وجهده وسعيه ودأبه، يلقى في نهاية مطافه بمتاعبه إلى هذا الملاذ.... إلى زوجته التي ينبغي أن تتلقاه فرحة مرحة، طلقة الوجه، ضاحكة الأسارير.. يجد منها آنئذ: أذنا صاغية وقلباً حانياً، وحديثاً رقيقاً حلواً يخفف عنه.. ويذهب ما به.. فالزوجة سكن لزوجها يسكن إليها ليروي ظمأه الجنسي في ظلال من الحب والمودة والطهارة 00) اهـ (21-22).
رابعاً: التعاون بين الزوجين:
فالمرأة تقوم بما يتفق مع طبيعتها وأنوثتها التي خلقت بها، بتأدية حقوق الزوج وتدبير المنزل وتربية الأولاد، والرجل يقوم بالسعي والكد لتوفير سبل المعيشة لأفراد أسرته. وبهذا التعاون ينعم البيت بنعمة المودة والرحمة في ظل المنهج الأسري الذي وضعه الإسلام لإقامة البيت المسلم.
الفصل الثالث
الخطبة وآدابها
للخطبة أصول وآداب إذا ما اتبعتها المرأة المسلمة حال خطبتها كانت موفقة وزواجاً سعيداً بإذن الله وتتلخص هذه الآداب فيما يلي:
تعتبر مسألة اختيار الزوج من المسائل المعقدة التي تتعرض لها الفتاة المسلمة في عصرنا هذا، بسبب التغييرات التي طرأت على المجتمع الإسلامي من انتشار الفساد وكثرة الخبث وسيطرة العادات الغربية على معظم شبابنا، فأصبح من الصعب على الفتاة أو وليها اختيار الزوج المناسب الذي تأمن المرأة معه على نفسها ودينها. ولما كان مستقبل الحياة الزوجية يتعلق بحسن اختيار الزوج، فإن الإسلام حض على اختيار الزوج من ذوي الأخلاق والصلاح والدين لقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم} [النور:32]. فالآية هنا تبين لنا أن الكفاءة في الزواج في الصلاح وليس الغنى، لأن الله سبحانه وتعالى وعد الفقراء بأن يغنيهم من فضله لقوله: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم }.
فالإسلام لم يجعل الفقر قدحا ولا الغنى مدحاً، ولكن للإسلام موازين ومعايير يقيم بها الناس على أساس من التقوى والخلق. وفي ذلك رواية للبخاري أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما تقولون في هذا ؟ )) قالوا: هذا حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما تقولون في هذا؟ قالوا: هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع، فقال رسول- الله صلى الله عليه وسلم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]( هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا ".
هكذا تكون المعايير التي يجب أن نحدد على أساسها مستقبل الحياة الزوجية ألا وهى الدين والخلق.
روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض )).
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]( من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه)) .
وكان الحسن بن علي رحمه الله يقول لرجل:زوج ابنتك التقي فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لا يظلمها.
فالرجل الذي يمتاز بالصلاح وحسن الخلق يعرف حدود الله في معاملة زوجته باراً بها أميناً عليها في دينها وعرضها لا يأمرها بالتبرج والسفور ولا يأمرها بالاختلاط والفجور، بل صار معها على نهج نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا شعر بتقصير تجاه زوجته تذكر قوله صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيراً)) الحديث، عاد إلى صوابه، فأحسن معاملتها.. وإذا حدث تقصير من زوجته فغضب لذلك تذكر، قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" هدأت ثورته وقبل عذرها. .... وهكذا عادا زوجين سعيدين في بيت تشع فيه السعادة والصلاح.
إذا كان اختيار الزوج هو أول وأهم الأسس التي يجب اتباعها قبل الخطبة والزواج فإن رؤية كل من الطرفين للآخر لا تقل أهمية عنه، فالإسلام دين حنيف قد شرع للخاطب أن ينظر إلى الخطوبة، وشرع للمخطوبة أن تنظر إلى خطيبها ليكون كل من الطرفين على بينة من الأمر في اختيار شريك الحياة.
روي المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " [رواه البخاري والترمذي والنسائي]. يؤدم بينكما: تدوم بينكما المودة والألفة، فنظرة الخاطب إلى المخطوبة والمخطوبة إلى خطيبها أمر ضروري شرعه الإسلام حتى لا يفاجأ أحدهما أو كلاهما بشيء يكرهه في شريكه فيحدث ما لا يحمد عقباه.
وقد حدث ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن جاءته امرأة ثابت بن قيس تطلب منه الطلاق من زوجها فلما سألها عن سبب نفورها منه فقالت: رفعت جانب الخباء في ليلة الزفاف، فأقبل في عدة من الرجال فإذا هو أشدهم سواداً، وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً، وبي من الجمال ما ترى، ولست أعتب يا رسول الله عليه في خلق ودين، ولكني أكره الكفر في الإسلام (تعني إذا لم يطلقها تخاف من الارتداد عن الإسلام حتى يفرق بينهما) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت: " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " وكان صداقها الحديقة.
فإذا كان الإسلام شرع للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة قبل الخطبة فإنه أيضاً وضع حدوداً للخاطب والمخطوبة يجب الوقوف عندها حتى لا تقع في أخطاء شرعية،كما يحدث في المجتمعات الحالية من اختلاط الخطيبين اختلاطاً غير شرعي من تبادل النظرات والمصافحة والخلوة دون محرم، وغير ذلك مما لا يخفى عن أذهاننا من تعاملات بين الخطبين.
ومن الحدود التي وضعها الإسلام لذلك:
(1) عدم الخلوة بالخطيب في غير ذي محرم:
كثيرا ما يحدث أن يخلو الخطيب بخطيبته قبل العقد الشرعي بحجة زيادة التعارف والتجربة ومعرفة طباع كل منهما، وذلك باسم المدنية والتقدم.
والإسلام حرم ذلك واعتبر كلاً من الخطيبين أجنبياً عن الآخر، طالما لم يتم العقد الشرعي بينهما، والخلوة بالمرأة الأجنبية حرام، لما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم "، فالإسلام دين حنيف وحكيم في وضع هذا الحد، لأنه كثيراً ما يحدث من الخلوة بين الخطيبين من المساوئ الأخلاقية التي يندم عليها الأهل والخطيبة نفسها، من ضياع الشرف وحدوث الملل من الخطيب، وتركها- بعد أن حقق غرضه منها- تعاني الحسرة والندم بسبب ترك شرائع الإسلام، فحينها لا يفيد الندم ولا تنفع الحسرة.
(2) لا يجوز للمخطوبة مصافحة خطيبها:
فكما ذكرنا من قبل أن الخاطب أجنبي عن خطيبته ما لم يتم العقد الشرعي بينهما، فإن الأجنبي يحرم مصافحته لما روي من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة في المبايعة قط، وإنما مبايعتها كانت كلاماً، وقوله صلى الله عليه وسلم : ((إنا لا نصافح النساء )).
(3) جواز محادثة الخطيب أثناء الخطبة وتبادل الآراء الفقهية:
ويكون ذلك في حالة وجود محرم مع التزام الفتاة بالثياب الشرعية، لأن صوت المرأة عند أغلب الفقهاء ليس بعورة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث إلى النساء ويستمع إليهن. وكان الرجال يستشيرون أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في بعض الأحكام الشرعية، وذلك من وراء حجاب، والأدلة في ذلك كثيرة ومعروفة. على ألا ترقق الخطيبة صوتها أثناء الحديث لقوله تعالى:{ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} الآية.
الفصل الرابع
المــهر
قال تعالى:{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} [النساء:4].
لقد كرم الإسلام المرأة وفرض المهر على من أراد الزواج بها، و لم يضع الإسلام حداً لهذا المهر بل ترك الأمر للطرفين يتفقان عليه حسب المقدرة. ورغب في يسره، وعدم المغالاة في طلبه، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها)) [رواه أحمد والطبراني].
وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة " [رواه أحمد والحاكم].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره المغالاة في المهور، ولقد استنكر النبي صلى الله عليه وسلم موقف أحد الصحابة حينما فرض على نفسه مهراً لا يطيقه ثم جاءه يطلب المساعدة ففي رواية للإمام مسلم: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إني تزوجت امرأة من الأنصار فقال له صلى الله عليه وسلم: (هل نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) قال: قد نظرت إليها، فقال صلى الله عليه وسلم: " على كم تزوجتها؟ " قال: على أربع أواق، فقال صلى الله عليه وسلم: " على أربع أواق؟ كأنكم تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه )).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تيسير أمر الزواج بأقل المهور؟ فقد زوج أحد الصحابة بما تيسر معه من القرآن. روى البخاري وغيره أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت أهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر وصوبه، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجينها فقال صلى الله عليه وسلم: " هل عندك شيء تصدقها إياه؟ " قال: لا والله يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: " اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً؟ " فذهب الرجل ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئاً، فقال صلى الله عليه وسلم: " انظر ولو خاتماً من حديد " فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تصنع بإزارك؟ إن لبتته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء)) فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله مولياً فأمر به فدعي فلما جاء قال له: " ماذا معك من القرآن؟ " قال معي سورة كذا وسورة كذا، قال: " وتقرأهن عن ظهر قلب؟ " قال: نعم قال: " اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن " [رواه الخمسة واللفظ للبخاري].
وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين؟ " فقالت: نعم فأجازه [رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأعظم قدوة لنا في هذا الأمر، فلم يزد صداق نسائه وبناته على خمسمائة درهم عدا أم حبيبة رضي الله عنها فقد كان صداقها أربعمائة دينار، دفعها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم إكراماً له.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يلتزمون اليسر والبساطة في تزويج بناتهن فكانت زيجاتهن أعظم بركة.
وكان الفاروق عمر رضي الله عنه ينادي بعدم المغالاة في صداق النساء، فقد خطب في الناس يوماً فقال: (يا أيها الناس لا تغالوا في صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم... ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. وإن كان الرجل ليبتلى بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول: كلفت إليك علق القربة) علق القربة: الجبل الذي تعلق
ولقد لجأ كثير من الناس في هذا العصر إلى المغالاة في المهور، معتقدين أن غلاء المهور يزيد من تمسك الزوج بزوجته، حريصين على حب الظهور والتفاخر أمام الناس بالمهور الكبيرة، مما أدى ذلك إلى عرقلة سنة الزواج التي هي من أسمى سنن الحياة، مما أدى إلى انتشار الفساد بين الشباب، وقلة البركة بين المتزوجين، وكثرة المشاكل الزوجية، وتضاعفت حالات الطلاق عما كانت عليه في العصور الإسلامية السابقة. فلو أنهم اتبعوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في فرض المهور لما وصلت العلاقات الزوجية إلى ما وصلت إليه الآن.
فالرحمة الرحمة أيها الآباء في طلب المهور تحصيناً لشبابكم وعفة لبناتكم، وكونوا كمن قال الله تعالى فيهم: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )الآية [الفتح:29].
الفصل الخامس
عقد الزواج
لكي يتم عقد الزواج بصورة إسلامية صحيحة لابد من من وجود ولي الزوجة أو وكيله وشاهدين، وموافقة الزوجة.
(1) ولي الزوجة:
لابد أن يتولى أمر زواج المرأة أقرب الناس إليها من الرجال البالغين العقلاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (( لا نكاح إلا بولي)) ويجب على الولي أن يستأذنها ويأخذ رأيها ويطمأن إلى قبولها قبل إتمام العقد.
(2) الزوج أو وكيله:
يجوز للزوج أن يوكل عنه غيره في إتمام عقد الزواج فقد وكل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري في أن ينوب عنه في إبرام عقد زواجه على أم حبيبة، وكانت مهاجرة عند النجاشي الذي دفع له مهرها.
(3) الشهود:
لا ينعقد عقد الزواج إلا بحضور ذكرين عاقلين بالغين مسلمين عدلين لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل،وما كان من نكاح غير ذلك فهو باطل))[رواه ابن حبان في صحيحه].
الفصل السادس
ليلة الزفاف وآدابها
بعد إتمام عقد الزواج الشرعي يهئ كل من الزوجين نفسه لاستقبال ليلة الزفاف التي إن تمت على نهج إسلامي قويم كانت من أجمل ليالي العمر التي تحلم بها كل فتاة تؤمن بالله واليوم الآخر.
ومن أجل تحقيق ذلك الحلم فإني أضع بين يدي كل مسلمة آداب تلك الليلة لاتباعها، سواء كان ذلك في حفلة الزفاف، أو في إعداد الوليمة، أو عند خلوتها مع زوجها؛ حتى يكون زواجاً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أولاً: آداب حفل الزفاف:
لقد شرع الإسلام ألواناً من اللهو والترفيه للمسلمين في حفلات الزفاف مطوقة بحدود شرعية، يجب الوقوف عندها حتى تكون ليلة سعيدة خالية من المخالفات الشرعية.
* ومن ألوان اللهو التي شرعها لنا الإسلام:
(1) الضرب بالدف:-
يجوز استعمال الدف في حفلة الزفاف لحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أعلنوا بالنكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدف " [رواه الترمذي].
وعن محمد بن حاطب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف " [النسائي والترمذي وحسنه].
(2) الغناء المباح الخالي من المخالفات الشرعية:
وعن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو " [رواه البخاري]. وفي رواية بلفظ: " فهلا بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال: ((تقول:
أتيناكم أتـينـاكم فحيونا نحييكم
فلولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا ما سمنت عذاريكم
[رواه الطبراني]
وعن عامر بن سعد البجلي قال: دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود- وذكر ثالثاً ذهب علي- وجواري يضربن بالدف ويغنين فقلت: تقرون على هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم:؟ قالوا: إنه رخص لنا في العرسات، والنياحة عند المصيبة، وفي رواية: البكاء على الميت في غير نياحة. [رواه الحاكم والبيهقي والنسائي].
ما أباحه الإسلام من الغناء والضرب على الدف في غير فجور أو استخدام آلات المعازف المحرمة، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر (الزنى) والحرير والخمر والمعازف "، [البخاري وغيره]. وهذا دليل على تحريم المعازف التي تنتشر بأشكال شتى في هذا الزمان.
ثانياً: آداب الوليمة:
الوليمة: هي إعداد طعام في ليلة العرس أو بعدها، ودعوة المسلمين إليه، ويتكون هذا الطعام من لحم وثريد أو غيره.
ومن سنن الوليمة وآدابها ما يلي:
(1) أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول بدليل حديث أنس رضي الله عنه قال: بني رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة فأرسلني فدعوت رجالا على الطعام [رواه البخاري]. وعنه رضي الله عنه قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي وجعل عتقها صداقها وجعل الوليمة ثلاثة أيام [أخرجه أبو يعلي بسند صحيح].
(2) أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة. لما صح من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف عندما تزوج امرأة من الأنصار ((أولم ولو بشاة))الحديث [البخاري]. وعنه رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب فإنه ذبح شاة [رواه الشيخان].
(3) ويجوز أن تؤدى الوليمة بطعام غير اللحم: لحديث أنس رضي الله عنه قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت، وفي رواية: فحصت الأرض أفاحيص وجيء بالأنطاع فوضعت، فألقي عليها التمر والأقط والسمن فشبع الناس. الأنطاع: جمع نطع وهو الجلد المدبوغ [رواه الشيخان وغيرهما].
(4) دعوة الصالحين: لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]( لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي)) [رواه الترمذي والحاكم وأبو داود].
ثالثاً: وصايا للعروس قبل زفافها:
يستحب وصية العروس قبل زفافها إلى زوجها وصايا تصلح أن تكون منهجاً لإقامة الحياة الزوجية الصعيدة.
ولقد كان الآباء والأمهات في القديم يقدمون الوصية إلى بناتهم قبل الزفاف.
والأم خير من تسدي النصح لأبنتها عند زفافها ، فقد عاشت التجربة من قبل ، وهي أعظم الناس حباً لسعادة ابنتها وهنائها. وقد رأيت بين الوصايا القديمة وصية أمامة بنت الحارث لابنتها قبل زفافها التي بينت فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة فقالت:
أي بنية! إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل.
ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال.
أي بنية! إنك فارقت البيت الذي ألفتيه، وخلفت العش الذي فيه درجت،إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً، ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً. واحفظي له خصالاً عشراً، يكن لك ذخراً:
(أما الأولى والثانية) فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
(وأما الثالثة والرابعة) فالتفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
(وأما الخامسة والسادسة) فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة.
(وأما السابعة والثامنة) فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال: حسن التقدير، وفي العيال: حسن التدبير.
(وأما التاسعة والعاشرة) فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره.
ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.
... حقاً إنها وصية غالية من أم واعية، فما أجدر كل أم أن توصى بها ابنتها عند زفافها، وما أجدر البنت أن تقبلها وتأخذ بها لتنعم بالحياة الزوجية الهادئة في ظل الأدب الجميل والخلق الكريم، وينعم معها زوجها على بساط المودة والرحمة والسكن.