أحبتي في الله
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أترككم مع الجزء الثاني
أنواع السحر بين الرسمي والشعبي
في هذه الحلقة نتابع ما كنا قد قد تحدثنا عنه سابقا عن واقع السحر في المغرب يميز الباحث المصري محمد الجوهري، المتخصص في علم الفولكلور، بين السحر الرسمي والسحر الشعبي، الاول هو سحر الخاصة الذي يتطلب من ممارسيه ان يتوفروا على معرفة خاصة بعلوم وتقنيات السحر المعقدة، وهو يدور في اطار حلقة ضيقة من السحرة المحترفين، اما النوع الثاني فهو سحر العامة المتداول على نطاق واسع لبساطة وصفاته وسهولة تنفيذها.
ولتقريب القارئ من اطروحة الجوهري، نورد المثال التالي: عندما تفشل الشابة المغربية في الحصول على عريس، تنصحها النساء اللواتي في محيطها الاجتماعي المباشر بضرورة التبخر بحرباء تقتنيها من عند العطار )بائع مستحضرات السحر( الذي يؤكد لها انها حرباء عذراء)تاتة عويتقة(، كما هو مشترط فيها ان يكون، ترمي الفتاة العانس بتلك الحرباء المسكينة حية في النيران المتأججة، ثم تعرض جسدها الواقف للدخان المتصاعد منها، الذي تمنحه المعتقدات الخاصية السحرية لإبطال »العكس«، وهذا العمل نموذج للسحر الشعبي، ولكن لا يفيد التبخر في جلب العريس، تشد الشابة الرحال نحو ساحر متخصص، فيؤول لها الامر ويهوله، زاعما ان في القضية جنيا مسلطا عليها بواسطة جدول, ويفرض عليها شروطا باهظة )قد تصل الى حد مراودتها على نفسها(، كي يبطل لها مفعول السحر المعمول لها, وهذا النموذج الثاني وهو ما يسميه الجوهري بالسحر الرسمي.
ولأن السحر الشعبي سمته البساطة الشديدة في الوصفات، وسنعود اليه كثيرا في الحلقات اللاحقة، فإن الذي يهمنا هنا، هو أن ندقق النظر في انواع السحرة المحترفين، في هويتهم الاجتماعية والمسارات التكوينية التي يتدرجون عبرها، قبل أن يتوجوا سحرة معالجين.
تخصص مغربي
وفي تعريف الساحر ، يقدم احدهم وهو متخصص في معالجة السحر بالقرآن »العلامات التي يعرف بها الساحر« كما يلي: الساحر يسأل المريض عن اسمه واسم امه، ويأخذ أثرا من اثار المريض )ثوب، قلنسوة، منديل,,( واحيانا يطلب حيوانا بصفات معينة ليذبحه ولا يذكر اسم الله عليه، وربما لطخ بدمه اماكن الألم من المريض أو يرمي به في مكان خرب, يكتب الطلاسم، يتلو العزائم والطلاسم غير المفهومة، يعطي المريض حجابا يحتوي على مربعات بداخلها حروف وارقام، يأمر المريض بأن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس او يعطيه اشياء يدفنها في الارض او اوراقا يحرقها ويتبخر بها.
ويتمتم بكلام غير مفهوم، واحيانا يخبر الساحر المريض باسمه واسم بلده ومشكلته التي جاء من اجلها، او يكتب له حروفا متقطعة في ورقة )حجاب( او في طبق من الخزف الابيض ويأمر المريض باذابته وشربه.
إن الساحر في المغرب ، كما في غيره من الدول العربية والاسلامية يولي العناية لاظهار تمسكه بالدين، فهو حافظ القرآن وعلام جيد بقواعد اللغة العربية، وبهذه الصفة، يضع نفسه في منأى عن اي شك في وثنيته، كما يلاحظ عالم الاجتماع المغربي الراحل بول باسكون.
والساحر في المغرب هو مصدر ثقة، يحظى بمزيج من مشاعر الخوف والتقدير في نفوس الناس, فهو يمتلك - في نظرهم - القدرة على التأثير في مصير حياتهم بالسلب او بالايجاب، حسب مشيئته، أليس الساحر الذي يكتب او على الاصح، يرسم الطلاسم، هو في البدء والمنتهى »الفقيه« و»الطالب« اي رجل الدين؟ وحتى مدارس تكوين السحرة التي سنتحدث عنها في سياق هذا المقال، هي في حقيقتها الظاهرة زوايا لتدريس الدين.
رجال الدين
إن هيئة رجال الدين المغمورين هؤلاء - والكلام مرة أخرى لبول باسكون - المنتشرون في البوادي تلعب دورا رئيسيا في صيانة المعتقدات السحرية وفي استمرار التصوف الشعبي، وحسب الباحث المغربي الراحل فإن »فقهاء« و»طلبة« البوادي يمارسون اعمال السحر كنوع من رد الفعل على ظلم اجتماعي لحقهم، حيث يقول عنهم باسكون انهم في الغالب ابناء عائلات مجردة من حقوقها او ابناء صغار لعائلات قوية، مبعدون عن السلطة )الاسرية( أو محرمون من الارث من قبل اخوة لهم اكثر حذقا منهم، ولانه يفترض فيهم انهم محرومون ومنتزعو الحيازة، لذلك وجهوا رغباتهم في الهيمنة نحو تصرفاتهم التحت ارضية )الشيطانية(.
ولكن السحر ليس دائما خيارا انتقاميا تلاحق بشوره دفئة اجتماعية مهمشة افراد المجتمع، كرد فعل على حيف لحقها, السحر هو ايضا وأساسا امتياز اجتماعي يتهافت على نيله الكثيرون وتتوارث اسراره الثمينة أسر السحرة أبا عن جد، لما يحققه للمتعاطين له من وضع اعتباري متميز وعائدات مالية مهمة.هل نمنح المغاربة سبق التفوق في علوم السحر؟
في كتاب »ألف ليلة وليلة«، يتردد في حكايا شهرزاد ان السحرة عادة، متحدرون من المغرب، لكن ومن دون ان يكون في نيتهم الرد على تلك التهمة، يفاخر أبرز واضعي مصنفات السحر من المتصوفين المغاربة، بالفضل البارز لاساتذتهم المشارقة عليهم، في ما وصلوا اليه من »العلم« و»الحكمة« يفعلون ذلك، في مقدمة وخاتمة كل كتاب، كنوع من التباهي باستقاء »العلوم الحكمية« من منابعها الغزيرة والاصيلة، هناك في المشرق.
فإذا أخذنا المتصوف المغربي )البوني( الشهير عربيا بابداعاته في مصنفات السحر كنموذج، نجده يزعم في خاتمة مؤلفه »منبع اصول الحكمة« بأن شجرة الذين أخذ عنهم »علم الحروف والاوقاف« تنتهي في الاصل الى الامام حسن البصري.
وفي كل الاحوال وحتى اذا ما صح أخذ المغاربة عن اساتذتهم المشارقة، فالنتيجة تسمح لنا بالقول ان التلميذ تفوق على استاذه في مجال التأليف في العلوم الخفية، فمؤلفات ابن الحاج المغربي، وخصوصا البوني تعرف انتشارا واسعا منذ قرون، في كل البلاد العربية، ولعل أكبر دليل على حجم انتشارها، ما نلاحظه اليوم من توافرها في السوق المغربية بشكل كبير وفي طبعات مختلفة، صادرة عن دور نشر مغربية واردنية ومصرية وغيرها
ويعتبر ابوالعباس البوني )المتوفى في القاهرة حوالي 1225( من اوائل المتصوفة الذين قاموا بجمع وتصنيف السحر الرسمي، الذي كان محصورا وسط حلقات الفقهاء السحرة في مغرب العصور الوسطى، ونشره في مصنفات، اشهرها )منبع اول الحكمة( و)شمس المعارف الكبرى(.
وحسب البوني فإن عمله ذاك لم يمر دون أن يجلب عليه مآخذ زملائه في الحرفة الذين عابوا عليه، اظهاره لبديع الحكم لكل من هب ودب، حيث يقول في مقدمة )منبع أصول الحكمة(: »,,, وقد لامني على ذلك كثير من اخواني فأجبتهم بأن النصح لاخوان الحكمة واجب، وترك الواجب مذموم,,,«بيد أن البوني يؤكد - مع ذلك - التزامه بحرص السحر الرسمي على الابقاء على مضامين المصنفات التي وضعها، وفي الاطار الضيق للمتخصصين حيث يهدد قارئها بألا يبوح بالاسرار التي يقرأها، لاي كان، تحت طائلة بطلان المفعول السحري المنتظر منها, فيقول في مقدمة )شمس المعارف الكبرى(: حرام على من وقع كتابي هذا في يده أن يبديه لغير اهله، او يبوح به في غير محله، فإنه ان فعل ذلك، حرمه الله تعالى منافعه، ومنعت عنه فوائده وبركاته,,«.
@مدارس السحرة@
لا يكفي الاطلاع على مصنفات السحر المتوافرة ليصبح الانسان ساحرا، فالسحر في عرف ممارسيه، له قواعد وشروط معقدة تجعله غير متاح للعامة الا من خلال المتخصصين، ومهما تكشف كتب السحر المتداولة من اسرار تلك القواعد، فإن ما خفي منها يظل اهم واعظم في نظرهم.
إن الساحر لا يولد ساحرا، ولكي يصبح الاسنان العادي ساحرا )او ساحرة(، يكون امامه مسار شاق عليه ان يقطعه في اماكن سرية، قبل أن يحظى باعتراف معلميه السحرة وتتويجهم له ساحرا معالجا, ويتداول في اوساط العامة ان تلك الاماكن توجد بمنطقة سوس في الجنوب المغربي، وان المتخرج من مدارس السحر تلك يتوفر على مهارات في مجالات تخصصه، تجعله يتفوق على كل زملائه الاخرين.
ويبرز ذلك طبعا، المقابل الباهظ الذي يطلبه »الفقيه السوسي« مقابل خدماته، وقد قرأنا في بريد القراء رسالة نشرتها جريدة وطنية بعثت بها اليها شابة، يبدو انها راكمت من خيبات واوهام البحث عن عريس ظل يهرب دائما منها، في اللحظة التي تطمئن اليه، اعترافها بأنها دفعت مبلغ مليوني سنتيم مغربي، كي يضع لها فقيهاً سوسياً )او من يزعم انه كذلك( في خاتم يدها، طلسما لابطال السحر المعمول لها.
ويقدم الدكتور اخميس تصورا واضح المعالم عن مسار التكوين الشاق الذي يجتازه الساحر المتعلم، في مدارس تعلم السحر السرية في سوس، على النحو التالي:
- ينسحب الفقيه الراغب في أن يصبح معالجا )بتعبير د- اخميس: Guerisseur( من الحياة العادية لينغمس في حياة أخرى مسكونة بالارواح، وهناك يختار الجني »الخديم« )الخادم( الذي لن يفارقه بعد ذلك، ابدا, ولكي يرتبط بالجني لا ينبغي على الفقيه ان يرى أحدا طيلة مئة يوم ويوم، ولا أن يحلق وجهه أو يغتسل, ولا يأكل طيلة تلك المدة سوى التمر والحليب وخبز الشعير المعجون بدون خميرة, وعليه أن يحرق عند كل مطلع ومغرب شمس خليطا من الملح والحرمل والشب وجلد الثعبان.
وفي متم اليوم الواحد بعد المئة، ينظر الفقيه في معزله الى مرآة على ضوء شمعة، فيرى بدل انعكاس صورة وجهه فيها، صورة الجني »الخديم«, ويكون ذلك تتويجا له كفقيه معالج، وايذانا له بالبدء في تدريب ميداني يتمرس خلاله على العيش مع شيطانه، الذي لن يتكلم معه الا لغة خاصة تتضمن صيغا لغزية، ويختتم الساحر تدريبه بدراسة العلامات التي سيستعملها في اعداد الطلاسم، خلال حياته المهنية المستقبلية.
إن هذا المسار التكويني الغرائبي، الذي ما زال يمارس حتى اللحظة الراهنة في بعض المدارس السرية بسوس، يشبه في بعض تفاصيله طريقة أخرى لتسخير الجن في خدمة الساحر، رواها أحد السحرة المغاربة للطبيب الفرنسي موشون، فضمنها هذا الاخير ملاحظاته حول السحر في مغرب بدايات القرن الماضي.
فلكي يصبح المرء ساحرا )او »طالباً« بتعبير موشون( يطلب من الشياطين ان يبلغوا رغبته الى السلطان الاكبر )للجن(، ثم ينسحب الى أحد الاودية بعيدا عن المدينة، حاملا معه مرآة اطارها من خشب الابنوس, يأخذ طالب السحر تلك المرآة في يده بينما يتمتم بأدعية والبخور يتصاعد من موقد مجاور، ويقوم بتغيير ملابسه على رأس كل ساعة زمن، ويكتفي بأكل الخبز الذي تم اعداده من دون ملح وبقليل من الخميرة، مع التين المجفف والزبيب.
وفي غضون ايام قليلة، يظهر »الخديم« في المرآة، فيخاطب الساحر قائلا: »لقد أزعجت كل الدار السفلي« )أي عالم الجن(، ثم يردف ناصحا اياه: »سوف ترى مرور الجيوش السبعة للسلطان سلطان الجن، طبعا وهي مكونة من الافاعي والعقارب والحيوانات المتوحشة,, فلا تخف وحاذر ان ترد على من يكلمك منهم«.
الكتائب السبع
وبعد أن ينسحب »الخديم« يشاهد الساحر الكتائب السبع، يليها السلطان فوق جواده، فيكون عليه ان يمسك بالدابة التي يركبها سلطان الجن من لجامها ثم يقدم ملتمسه, وفي الغالب يمنح السلطان للساحر خديما يكون عليه ان يقيم معه اواصر علاقة حميمة ستجمعهما للابد, ولهذه الغاية، يوقد البخور فيتصاعد عمود من الدخان، يتحول الى قطعة خشب تتمدد فشيئا لتتحول من جديد وتصبح ثعبانا، لا يلبث ان يتحول بدوره مرات عدة، ليأخذ اشكالا مختلفة، فيصبح في النهاية شابا جميل الخلقة، يحمل في يده سكينا دامية: انه الخديم.
يتبادل السحر وخديمه )خادمه الجني( التحية من خلال التصافح بظاهر يديهما، ثم يتملك كل منهما الاخر، ويأخذ الساحر المكرس علبة صغيرة يقدمها للشاب الذي يشرع في تقصير قامته الى أن يتمكن من دخولها، فيغلقها عليه الساحر، ويحملها معه، بعد ذلك باستمرار.
اما اذا كانت المرأة هي التي تريد ان تصبح ساحرة، فإن عليها ان تعهر وتمارس أقذر الطقوس، الى أن يقتنع »خديم« بالارتباط بها، وعدم مفارقتها طيلة حياتها, تبدأ المرأة بعرض نفسها على أي كان، خلال فترة الحيض )انسان غير مسلم، او حتى حيوان(، وتستحم كل صباح ببولها لتصبح غير طاهرة مطلقا، ثم توقد للشيطان الذي سيصبح عشيقها وخديمها الابخرة، الى أن يظهر لها فتمنحه نفسها ليفعل بها ما يشاء، كما ستفعل هي به ما تشاء!
ولن ترى تلك الساحرة الجنة أبدا، بل ستظل مع الشياطين بعد وفاتها.
لماذا يعتبر التعهر وفقدان العفة والطهارة شروطا لازمة، في معتقد المغاربة من اجل قبول المرأة في نادي السحرة؟ بينما الرجل يكفيه الالتماس ومرآة الابنوس والنظافة )تغيير الملابس كل ساعة( والاكل الخفيف؟ يبدو ان السر كامن في النظرة الدونية للمرأة في مجتمعنا، بشكل عام، وللنظرة الدونية للمرأة التي تتعاطى السحر، بشكل عام في مجتمعنا, ان السحر في المغرب ينسب الى الاقليات الدينية )اليهود، على الخصوص,,,( والعرفية )الزنوج، اهل سوس,,,( او اصحاب المهن الوضيعة، التي تصنف المومس ضمنها, فالساحرة هي بالضرورة مومس، والمومس تتعاطى السحر, ومن هنا يصير على كل امرأة تنوي ان تصبح ساحرة، أن تبدأ بفقدان عفتها وطهارتها الجسدية والمعنوية، حتى تمتلك باغراء قدراتها الشيطانية شيطانا مثلها، فيرتبط بها بينما الرجل الذي يصبح ساحرا يضع »خديمه« بكل اطمئنان في علبة، دون ان يفقد من كرامته شيئا!
خوارق السحرة
على أبوابهم علامات تدل عليهم، رايات بيضاء مخضبة بالحناء او خضراء, واكثرهم تواضعا يتخذون لهم في الاسواق القروية مجالس منزوية، او دكاكين ضيقة في الحواضر, اما اكثرهم »اناقة« فلهم مكاتب للزيارة في شقق راقية وبطاقات للزيارة تحمل ارقام الفاكس والهواتف القارة المحمولة.
السحرة اصناف ومستويات وتخصصات، منهم من يقنع بفتات الدراهم في مقابل خدمة لا تكلفه اكثر من خربشات على ورق اصفر او ابيض أو ازرق, واخرون تصل »أتعاب الزيارة« الواحدة عندهم الى الاف الدراهم، من دون احتساب الهدايا والعطايا، حيث يتحقق المطلوب.
إن قوة الساحر تكمن في مهارته، التي يكتسبها مع التجربة، في اقناع الزبائن بقدرته على التصرف في مصائرهم وفق ما يشتهون, وهو بذلك معالج نفساني, من حيث لا يعلم: يقرأ في نفسية مرضاه جيدا نقط ضعفهم ويمارس عليهم تقنية »التفريغ«,, والساحر هو ايضا واساس في احايين كثيرة مخادع كبير يتقن الساحر استغفال الزبائن فيزرع في قاعة انتظاره زبائن وهميين لاستنطاقهم وترويج فتوحاته وخوارقه بينهم,
ليس الأميون وحدهم!
إن زبائن السحرة هم مزيج غير متجانس من المرضى الحقيقيين ومرضى الوهم منهم الرجل والمرأة، الفقير والغني، الأمي والمتعلم، فليس الاعتقاد في السحر حكرا على الأميين، واصحاب العقول التي لم تنورها شموس العلم, على عكس ما تشي به المظاهر، بل هو يشمل كذلك كثيرا من المثقفين )الذين( يعمدون الى انكار وجود اي اعتقاد لديهم في السحر خوفا من ان يتهموا بالجهل او التخلف، ولكن اذا نحن تتبعنا سلوك الواحد منهم، وقمنا بتحليل الوان سلوكه، لوجدنا ان قطاعا كبيرا من سلوكه مشوب بالسحر او الخوف من السحر«.
وتفسر الباحثة المصرية سامية حسن الساعاتي هذه الظاهرة المفارقة بأسبقية التنشئة الاجتماعية واهميتها الحاسمة في توجيه حياة الفرد، قبل تحصيله للمعرفة العلمية لاحقا، خلال مراحل تعليمه, تقول الباحثة : إن الشخص الذي حصل على قدر عال من التعليم يلجأ عندما يقع تحت وطأة الظروف القاسية، مثل المعاناة من مرض عضال تعجز اساليب العلم عن علاجه، الى الاستعانة بهذه الاساليب السحرية والخرافية، لانه رغم تعلمه الراقي، فإنه قد تعرض في تربيته الاولى للمؤثرات السحرية والخرافية فالتنشئة الاجتماعية هنا دورها اخطر من دور التعليم«.
إذا نحن تأملنا مجالات عمل السحرة، فإننا سنجدها تمتد لتشمل كل ما يرتبط بحاجيات الانسان الاساسية وحتى الكمالية,, كل ما يخطر اولا ببال الانسان وارد في فهارسهم المكتوبة او الشوفية, واذا كان السحر قديما قدم الانسان، فكم هو عدد الوصفات التي اندثرت؟ وما معدل عمر وصفة سحرية؟ جيل، جيلان؟ قرن من الزمان؟ لا احد يعلم بالضبط.
ومن الكتابات العميقة التي خلفها علماء الاجتماع والانتربولوجيا الفرنسيون منذ قرن، يبدو ان العديد من الوصفات السحرية التي عرفها أسلافنا، لا تزال متداولة حتى اللحظة الراهنة، مع تعديلات طفيفة مست بعض التفاصيل الثانوية، بينما وصفات اخرى قرأنا عنها ولم نعد نسمع لها ذكرا )دون أن يعني ذلك أنها اندثرت(, ونتحدث هنا طبعا، عن السحر الشعبي الذي تمنحه حيوية المجتمع القدرة على التجدد باستمرار ,اما السحر الرسمي الذي توقف عن التجدد واعادة انتاج »نشء جديد« بتعبير الباحث الفولكلوري المصري محمد الجوهري - ليكتسب لنفسه صفة العلم المطلق، فإن وصفاته مستمرة في التداول على نحو ما أسس له الآباء المؤسسون, وسيكون صعبا بكل تأكيد، إن لم نقل مستحيلا، حصر جميع الاغراض التي يزعم الساحر بقدرته على تحقيقها، لذلك نقترح على القارئ هذه اللائحة غير المكتملة، والتي حاولنا فيها تجميع كوكتيل طريف من اغرب الاغراض، اعتمادا على مصادر شفوية واخرى مكتوبة، ونقدمها مرتبة حسب التصنيف الشهير: السحر الابيض والسحر الاسود.
في السحر الابيض
توجد وصفات سحرية لتحقيق الاغراض التالية: لإزالة الهم والغم - لمنع الوقوع في المعاصي وشرب الخمر - إذا أردت نسف تل قديم - أن تختفي عن أعين الاعداء والظلمة والحساد - أن تختفي أو تمشي على الماء أو تطير في الهواء - اذا اردت نقل الصخور - لتحقيق السعادة الابدية: للوقاية من العين - لحفظ الاشياء التي يخاف عليها من العين - لجلب الخطاب - للحفظ من التعب واللصوص والحريق- لاصلاح الفاسد من الناس والاشياء - لجلب الزبون ونجاح التجارة - لحفظ السفينة من الغرق - للمساعدة على الحفظ والفهم - لازالة البلادة وعلاج بليد الذهن الذي ينسى ما يلقى اليه - لازالة الكسل والعياء - لزوال النسيان - لاظهار شيء ضائع او مسروق واعادته - لاظهار اسم السارق - لعلاج لسعة الحية والعقرب والكلب - لعلاج عضة الكلب المكلوب )اي المصاب بداء السعار( - لطرد البراغيث والبق والخنافس والعناكب والحيات - لذهاب النمل والناموس - لجلب الرجل للمرأة - لجلب المرأة للرجل - لجلب الغائب - لشفاء العاقر - لتسهيل الولادة - للحصول على مواليد ذكور - للحصول على مواليد اناث - لزوال نزيف المرأة - لعلاج الطاعون - لسداد الديون - لتيسير الارزاق - للجمع بين المتخاصمين - لرد الثيب بكرا -اي لارجاع العذرية الى من فقدتها، من دون جراحة( - للحصول على القوة لحمل الاثقال - لعلاج أبو تليس )الذي يصيب الانسان حتى لا يبصر بالليل شيئا( -لعلاج الغيرة للرجل والمرأة - لخلاصة المسجون - لجلب العز الدائم - لمنع الوحوش والطير عن الزرع - لنيل القبول والسعادة - لنيل المناصب والترقي - للتغلب على الاعداء - لزيادة لذة الجماع - لتهييج المرأة - لجلب الحمام الى البرج,,, الخ.
في السحر الأسود
هناك وصفات : لتمشية الجماد - لعقد الالسنة - لعقد لسان الزوج - لعقد لسان الكلب - لعقد المرأة كي لا يطأها )يجامعها( غيرك - لهزم عدو - لقتل عدو - لقهر الاعداء واهلاكهم - لتمزيق شمل العدو - لاهلاك ظالم - لاخضاع الجبابرة - لتسليط جني على ظالم - لاخضاع الحاكم الجبار وتسخيره - لايقاف المراكب والعساكر - لرجم دار العدو - لتخريب دار العدو واخراجه منها - لاشعال النار في دار ظالم - لتعطيل سفن الاعداء - لتوقيف المركب وجعله لا يسافر أو لاعادته من طريقه - لالحاق الامراض المختلفة بالعدو - لالحاق العقم برجل او بامرأة - لعقد ذكر الرجل - لافراغ المكتري غير المرغوب فيه - لاخلاء برج الحمام - لعسر الولادة - لترقيد الجنين في رحم امرأة لسنوات - لانطاق من أردت وهو نائم - لاحضار ارواح الموتى - للتصرف بطوائف الجن وملوكها - لابطال موانع الكنوز - لتعطيل البنت عن الزواج - لاسقاط الشعر - لاسقاط الاسنان - لسليط سلسل البول على عدو - لمنع عدو من التبول - لتسليط الارق الدائم او النوم على عدو,,, الخ.
السحر بالكتابة بين الحروف والجداول والأرقام
يعد السحر المكتوب أكثر ضروب السحر الرسمي اهمية لدى العامة, وتنبع اهميته البالغة من حيث هو - في نظر العامة - »سحر عالم« بمعنى انه يقوم على علوم مضبوطة القواعد تدرس عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة الى السحر الشعبي الذي تتناقل وصفاته بين عامة الناس عن طريق المشافهة.
واذا كانت فعالية السحر الشعبي نسبية اعتبارا لكونه يتداول بشكل مفتوح بين العامة فإن سحر الاحرف والأرقام يعد »مؤكد الفعالية« بسبب توفره على شرطي الغموض والسرية الضروريين لتمام العملية السحرية ونجاحها.
الوفق
الوفق ويسمى ايضا في لغة اهل »الحرف« الجدول او المربع ويسمى ايضا الخاتم هو جدول يتكون من عدد معين من الخانات افقيا ومثلها عموديا وتتوافق اعدادها واحرفها وتستوي في الاقطار والزوايا وعدم التكرار لتنتج مفعولا سحريا وتختلف اسماء الاوفاق بحسب عدد اضلاعها ففي الحال التي يكون عددها ثلاثا يسمى الوفق مثلثا وفي حال الاربعة مربعا وهكذا الى المعشر الذي هوالجدل المشكل من عشر خانات عمودية وعشر افقية.
وبحسب البوني فإن لكل صنف من الاوفاق اغراض يتوسل به الى قضائها وهكذا، فإن:
المثلث: لأعمال الخير وتيسير الاعمال العسرة كإطلاق المسجون وتسهيل الولادة ودفع الخصومة والظفر بالعدو والأمن من الغرق وابتداء الاعمال وذهاب ريح القولنج.
المربع: لأعمال الخير كالمحبة والجذب ومنع التعب والنصرة على الحرب والجاه والقبول ولقاء الأمراء وكسب مودة النساء.
المخمس: لأعمال الخير كتسليط المرض والفرقة والعداوة والخراب والرجم ومحبة النساء.
المسدس: لأعمال الخير كالرفعة والجاه والعمارة والنصر وزيادة المال.
المسبع: للظفر بالعدو وتسهيل العلوم ومنع السحر واذهاب البلادة.
المثمن: لأعمال الخير والشر والجاه وجلب الامطار والبرء من المرض وذهاب الجنون وتسهيل العلوم وابتداء الاعمال والاخفاء عن اعين الناس.
المتسع: لأعمال الخير كالجاه والقبول ودفع الخصومة والامن من المكائد وللمحبة والنصرة في الحرب ومنع البرودة من الاعصاب واذهاب البلغم.
المعشر: للعظمة والشرف ومنع الحديد ودفع السموم وذهاب الوباء وتسهيل الامور الشاقة وقضاء الحوائج من الامراء والسلاطين والنصرة في الحرب وغير ذلك.
فإذا اخذنا المثلث منها مثلا وهو الاقل تعقيدا بين كل الاوفاق فإن وضع الارقام بداخله يتم وفق ترتيب معين ويعتمد نمط »مثلث الغزالي« الذي يكون على طريقة )بطد ذهج واح( وهذا شكله:
وبعد ان تأخذ الارقام السحرية مكان الاحرف الاصلية: العدد 1 مكان الحاء و2 مكان الألف، و3 مكان الواو الخ,,, يصبح المثلث مثيلا للنموذج التالي:
وكغيره من الاوفاق يشتمل المثلث على ثمانية اصول توظف لاستحضار الملائكة وهي المفتاح المغلاف، العدل الطرح الوفق المساحة الغاية والضابط والمفتاح بلغة اهل الحرف هو اصغر عدد يوضع في الوفق وهو في مثلثنا اعلاه العدد 1 بينما المغلاف هو اكبر عدد يتضمنه الوفق وهو هنا 9 اما العدل فهو مجموع المفتاح والمغلاف اي العدد 10 والطرح هو خارج تربيع الخانات في النصف الاول للمثلث بعد طرح 1 منه 12 والوفق هو حاصل ضرب تربيع الشكل في نصفه بعد اضافة 1 اي 15 والمساحة تعني خارج ضرب الوفق في مجموع الاضلاع اي 45 بينما يعني الضابط مجموع المساحة والوفق 60 وهكذا وصولا الى الغاية التي تعني ضعف المساحة زائد ضعف الوفق 120 ويستعمل السحرة حسابات معقدة باستعمال الاوفاق في العمليات التي يزعمون انها تمكن من تحقيق الاهداف التي ذكرها البوني فيما سبق وهي من التعقيد الى درجة تجعلها مستعصية على الفهم العادي ولذلك لن نخوض في تفاصيلها.
ويقدم معلم السحرة )البوني( نماذج كثيرة منها لتحقيق الطريف والغريب من الاغراض, وننقل من مؤلفه منبع اصول الحكمة واحدا يقول عنه ان له »سرا عظيما لخلاص المسجونين والمأسورين، واذا ضوعف كما تقدم وحمله الانسان هابته الوحوش جميعها ولم تحم عليه ابدا ولا يراه احد الا فر هاربا وعظم في اعين الناس.
وهذا شكل الوقف المثلث:
وتعد الاوفاق الاخرى )غير المثلث( اكثر نأيا عن الفهم العادي لعموم الناس حيث تخضع اعدادها لـ التكعيب او التكسير وفق قواعد بالغة التعقيد والتركيب بحيث يتم وضعها )الاعداد( في شكل »الفرد وفرد الفرد وفرد فرد الفرد« او »الزوج وزوج الزوج، وزوج زوج الزوج« وهكذا دواليك بحيث يبلغ الامر درجة كبرى من التعقيد لن يفقه في استيعابها سوى »أهل العلم بعلوم الحرف«.
وكأن كل هذه التعقيدات لا تكفي لإثارة دهشة زبائن السحرة فإنه لن تكفي كتابة الوفق وحدها كي يحقق الغرض المطلوب اذ ثمة شروط مرافقة ينبغي ان تجتمع مع الكتابة والا كان المفعول المأمول منعدم النتيجة ويلخص البوني اهمها وهو شرط توافر التوقيت المناسب للكتابة بالقول: »اعلم ان الوفق اذا كتب في وقت مناسب له قويت روحانيته )ملوك الجن الموكلة لخدمة الوفق( وتضاعفت قوته«.
ولأجل ذلك يستحسن السحرة كتابة الوفق عندما تكون الابراج مناسبة للغرض المطلوب بحسب الجن والملائكة الذين يتوسل اليهم تحقيقه، اذ لكل خادم سفلي )جني( خادم علوي )ملاك( ـ بحسب زعيمهم ـ يساعده في تحقيق المطلوب لكن شريطة اختيار اليوم المناسب الذي تكون فيه القيادة لـ الخادمين فكما سنرى فيما بعد لكل زوج من الخدام الروحانية يوم محدد في الاسبوع يتولى خلاله سلطة الخفاء ويعتبر التوسل به خلال ذلك اليوم مجديا.
كما تضع مصنفات السحر لكل شكل من اشكال الاوفاق كوكبا من الكواكب السيارة السبعة يرتبط به ويستمد منه قوته السحرية وهكذا فالشمس لها الوفق المسدس والقمر له المتسع والمريخ له الوفق المخمس وعطارد له الوفق المربع اما المشتري فله الوفق المثمن بينما الزهرة لها المسبع ثم اخيرا كوكب زحل له الوفق المثلث.
ويمكن ان يكتب الوفق فوق قطعة ورق او رقعة جلد او عظمة حيوان او حجرا كما قد تخطه يد الفقيه الساحر على بيضة او اي سند آخر وتتداخل الكثير من العوامل الاخرى الاساسية او المكملة لإكساب الوفق فعاليته المرجوة بعد التوفق في استحضار »الروحانية« المتوسل بهم ونيل رضاهم لتحقيق المطلوب منهم.
ومن تلك العناصر نذكر طبعا البخور المناسب وتلاوة العزائم المرافقة )التراتيل السحرية( وتدخل المادة التي يكتب بها الوفق ضمن المواد البالغة الاهمية في العملية فقد تكون سائلا مكونا من محلول الزعفران في ماء الورد، او دم ذئب او ثعلب او سلحفاة برية او غيرها من وحوش البرية الذي يطاله خيال السحرة, وقد طالعت في مخطوط للسحر مجهول المؤلف مدني به صديق باحث على نماذج غريبة وعجيبة من الاوفاق التي يكفي تغيير المادة التي تكتب بها ومن دون المساس بالتفاصيل الاخرى لتتغير النتيجة المحصلة.
ففي احدى الوصفات الخاصة بـ »السحر الاسود« )اي الانتقامي( ذكر انه اذا كتب )الفقيه الساحر( الوفق بدم الفكرون )السلحفاة البرية( على عظم جيفه فإن المستهدف بالعمل السحري الشرير سوف »يمشي مثل الفكرون« بمعنى انه سوف يصبح مبطئا جدا في سيره من جراء مرض يلزمه نتيجة لذلك العمل.
واذا كتب الوفق نفسه على السند نفسه لكن بالصمغ )المداد السحري الاصغر الذي يحصل عليه من نقع الصوف المحروق في الماء( فإن المستهدف بالعمل السحري سوف »يرمي ثيابه« بمعنى انه سيفقد توازنه العقلي ويجن.
اما في حالة الكتابة بدم الضبع تضيف الوصفة فإن المعني بالأذى المسلط من خلالها يموت )كذا!(
المشاكل والتمائم
واذا كان سبب وقوع المصيبة هو ممارسات طائشة وعيوب في التقدير وتصرفات غير ملائمة فإنه يتم اضمار ان ذلك ليس من قبيل المصادفة بل من عمل القوى الخفية العدوة الشيطانية التي تنبغي مناشدتها بواسطة تصرفات من النوع نفسه.
و)الطلبة( هم من يتدخل مرة اخرى لإنتاج طلاسم فعالة لذلك، ويكفي الذهاب الى الساحات العمومية، على هامش الاسواق الدائمة او الاسبوعية للعثور على كتبة يستطيعون وضع كتابة غير مفهومة المعنى مربعات سحرية )جدول(؟ تمزج عبارات دينية مع حواشي باطنية في مقابل بعض الدراهم, في مواجهة هذه الطلاسم تكون قوى الشر بلا تأثير يصيبها الذعر فتتراجع, ان اللجوء الى صنع التمائم الوقائية او العلاجية ليس معتقدا وممارسة حديثين، اذ »كان للتمائم المقام الاول عند المصريين القدماء فوضعوها على اعتاب المنازل، وتحت اعتاب الابواب او داخل حجرات البيت، وكانوا يضعونها في اماكن نومهم وتحت وسائد رؤوسهم او في اماكن ممارسة اعمالهم اليومية كما صنعوا منها وسائل زينتهم فكانت المعلقات التي تتوسط الصدور او تتدلى حول الاعناق او تتوج لباس الرأس كما تفيد المراجع التاريخية بأن التمائم كانت معروفة لدى حضارات الشرق القديمة الاخرى مثل البابليين والآشوريين بشكل لا يختلف كثيرا عن الحروز والاحجبة الحالية.
الحرز
»الحرز« او »الحجاب« في الغالب عبارة عن تعاويذ وآيات من القرآن خصوصا المعوذتين )سورتي الفلق والناس( وفي احيان اخرى يحمل الحرز الرقية التي تقول »بسم الله ارقيك من كل داء يؤذيك من شر كل حاسد وعين الله تشفيك« او قد تحمل اسماء الملائكة او بعض مشاهير الانبياء وتتخلل تلك الكتابات اشكال هندسية يقال ان لها مجتمعة اثرا لا يعلم سره الا واضعو »الحروز« وحدهم,وتكتب »الحروز« بريشة تصنع من القصب الجاف ومداد »سحري« يعرف محليا باسم »الصمخ« او »الصمق« او »الصمغ« بحسب الجهات وهو عبارة عن مداد يميل الى الصفرة يصنع عادة بنقع الصوف المحروق في الماء او بشع السوائل الاخرى كما تكتب الحروز بماء الورد او ماء زهر الليمون او محلول الزعفران في الماء وغيرها بل ان بعض المواد الغريبة والمقرفة تستعمل احيانا لكتابة بعض النماذج الخاصة جدا من الحروز كالنجاسة الآدمية )براز الشخص المستفيد من العملية السحرية( عندما يتعلق الامر بإبعاد الارواح الشريرة.
اما السند التي تكتب عليه الحروز فقد يكون قطعة ورقة بيضاء او ورق بصل او قطعة رغيف او حبة لوز او تمر، او آنية المطبخ، وبحسب نصيحة »الفقيه« الطالب« ينصح المريض اما بنقع الحرز المكتوب على ورقة في اناء به قليل من الماء ثم تناول المحلول المحصل عليه من طرف المريض على جرعات منتظمة او التوضؤ بذلك الماء او مسح مناطق من جسمه التي تكون مريضة، كما قد ينصح المريض بأكل الرغيف الذي كتب عليه العبارات السحرية او ورق البصل او التمرة او ما إلى ذلك.
وفي احيان اخرى يأخذ »الطالب« صحن الخزف الصيني )زلافة جبانية( ليكتب داخله الحرز ثم يغسل ما كتب بقليل من الماء ويشربه المريض وقد تكتب الحروز ايضا على بيض الدجاج او يلجأ »الطالب« الى القراءة بدل الكتابة على كأس ماء او زيت ليبيعه للمريض كما يباع محلول الدواء في الصيدلية.
ولكن الشكل الاكثر تداولا للحروز يبقى هو النموذج الذي يصلح لكل شيء ويتم تعليقه على اجزاء من الجسم )في العنق او اليد او البطن( بواسطة خيط صوفي احمر او اخضر، وذلك بشكل من التمائم يباع جاهزا وملفوفا في مربعات صغيرة من ورق النحاس الاحمر او الثوب الابيض نجده لدى العطار )بائع الاعشاب والمستحضرات العلاجية والسحرية( كما يباع للزوار مقابل اي مبلغ يقدمونه في جنبات اضرحة بعض مشاهير الاولياء في المغرب, وبالنسبة للحرز الذي يصنعه »الطالب« برغبة من مريض تقتضي طقوس العلاج ان يبدأ الفقيه المعالج )الطالب( بتلاوة سرية وغامضة موجهة للجني الذي يصادف »يومه« اليوم الذي بدأ المريض يستشعر خلاله الداء )فلكل جني يوم يكون تحت سلطته(.
الفقيه
وعندما يتعرف الفقيه على »هوية« الجني المسؤول عن اصابة المريض يرسم الرمز المخصص له على الحرز ثم يقدمه للمريض ناصحا إياه بحمله في العنق باستمرار اذا كانت الاصابة مست الرأس او الصدر او البطن.
اما في حال الامراض الخاصة بالمعصم والكعب والاطراف والجهازين العصبي والهضمي فإن طقس العلاج يقتضي من المريض تعليق الحرز المعالج في حزامه.
وهكذا لعلاج اوجاع المفاصل مثلا يكتب الفقيه العلاج السحري على ورق ازرق من النوع الذي تلف داخله قوالب السكر )في المغرب فقط( فيقوم المريض بنقع ذلك »الحرز« في قليل من الماء حتى يتحلل فيه المداد الذي كتب به الحرز وعلى مدى ثلاثة ايام يقوم بشرب جرعات من ذلك الماء السحري على الريق وحين يفرغ الاناء الذي نقع فيه الحرز من الماء يفرغ فيه المريض بضع قطرات من الزيت )زيت الزيتون او زيت المائدة( ويتناول الورق الازرق الذي كتب عليه الحرز يمسح به الاناء وقطرات الزيت ثم يحك به مفاصله المريضة ولعلاج مرض شلل عضلات الوجه )المعروف مغربيا باسم »اللقوة« فإن الطالب يقوم بكتابة الحرز على لحم المريض مباشرة ويتكون المداد السحري الصمغ من محلول مصنوع من مزيج الثوم المهروس والقطن المحروق المذاب في الخل.
اما في حالات الاصابة بأمراض معدية يكتب الطالب حرزا بالقطران على الورق الازرق لتلفيف السكر ويرميه في محرقة الابخرة المبخرة بعد ان يضيف اليه قليلا من الحرمل ثم يتبخر المريض بالدخان المنبعث منها وبذلك يتم طرد الجن الاشرار الذين كانوا سبب الاصابة بالمرض فتتوقف العدوى, ولجانب الوقاية استعمالات كثيرة اخرى حيث تذهب النسوة الحوامل اللواتي يتعرضن للاجهاض المبكر ولا يتمكن من الاحتفاظ بحملهن الى الفقيه فيكتب لهن حرزا بآخر يحملنه تحت ملابسهن بحيث يلمس جلد البطن، ويقتضي الامر منهن ان يعاودن عيادة الفقيه مرة كل شهر لتغيير الحرز الجديد ضمانا لفاعلية العملية.
ان الحرز هو اكثر من اسلوب علاجي او وقائي فهو يحظى بمزيج من مشاعر الخوف والتقديس التي تثيرها قدرته على معالجة اكثر الامراض استعصاء على العلاج من الطب الحديث ولذلك لا ينبغي تدميره بالتمزيق او الحرق، بل ارجاعه الى من هم ادرى بأسراره )اي الطلبة صانعي الحروز( من دون حتى فتحة للاطلاع على ما هو مخطوط بداخله تحت طائلة التعرض للعنة غامضة.
»السبوب« علاج الاطفال بالكتابة
يعتبر »السبوب« من بين اكثر اشكال الحروز تداولا في المغرب وتؤكد ربات البيوت انه فعال جدا في وقاية وعلاج الاطفال وخصوصا الرضع من الامراض الكثيرة والغامضة التي تصيبهم بسبب ضعف جهاز المناعة لديهم، بينما تعتقد امهاتهم انا من التأثيرات الشريرة للجارات او القريبات الحاقدات.
وفي صناعة »السبوب« يصنف الفقهاء الى مستويات والذي يكثر الاقبال عليه هو من تكون »يدو مزيانة« اي ان ما يكتبه لربات البيوت الخائفات يهدئ من اضطرابات فلذات اكبادهن وتشكو الامهات غالبا من نفس الاعراض نوبات بكاء مسترسلة تقطع انفاس الرضيع ارتعاش في النوم )حركات عصبية لا ارادية( عيوب خلقية تشوه شكل الرأس، ولعلاج البكاء لدى الرضيع يأخذ الفقيه ريشة من قصب يغمسها في صمغ ويكتب على ورقة بيضاء كلاما لن تقرأه الأم )اذا كانت متعلمة( لأنه محظور عليها فتح السبوب والاطلاع على مضمونه فاحترام الغموض الذي يميز السحر هو من شروط نجاح العلاج، كما رأينا وما يكتبه الفقيه نقلا عن »كتب العلم« يشبه في الحقيقة ما يلي: »عيسى ولد يوم السبت فلا كلب ينبح ولا ريح تلفح ارقد ايها الطفل بغير بماء الى ان تصبح بألف حول ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اذ اوى الفتية الى كهف سنين عدد وخشعت الاصوات الا همسا« ثم يطوي »السبوب« ويعطيه للأم ناصحا اياها بأن تضعه في ماء نقي حتى يتحلل ورقة وصمغه، ثم تنازل قطرات من ذلك المحلول السحري لصغيرها او ان ترمي بالسبوب في مجمر متقدة ناره وتعرض صغيرها للدخان المتصاعد منه او ان تلف »السبوب« في ثوب ابيض وتعلقه بخيط احمر في عنقه.
وهناك زوايا وطوائف مشهورة في المغرب بإنتاج السبوب تحظى بمصداقية لا تضاهي ومن اشهرها زاوية »الخيايطة« في نواحي الدار البيضاء ويعتمد اسلوب عمل هذه الطائفة على تسليم سبوب للزبون حسب نوع الاصابة ومطالبته ارجاعه سواء حصل العلاج او لم يحصل لأخذ سبوب آخر وهكذا تستمر عيادة ذوي المريض الى الزاوية حتى يشفى وهو ما يخلق ترابطا روحيا بين الطفل والزاوية.
الجدول
يعرف المعجم الوسيط الطلسم بأنه خطوط واعداد يزعم كاتبها انه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية لطبائع السفلية لجلب او دفع اذى وهو لفظ يوناني لنعت كل ما هو غامض ومبهم كالألغاز والاحاجي وحسب ابن خلدون فإنه اذا كان السحر هو اتحاد روح بروح، ولا يحتاج الساحر فيه الى معين فإن الطلسمات يحتاج فيها الساحر الى معين فيستعين بروحانيات الكواكب واسرار الاعداد وخواص الموجودات واوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر ولذلك فإن الطلسمات اتحاد روح بجسم اي ربط للطبائع السماوية )التي هي روحانيات الكواكب( بالطبائع السفلية.
ويعني ذلك ان الطلاسم )او الطلسمات( ليست شيئا آخر سوى الجداول )بالتعبير المغربي الدارج الذي ينطق الكلمة بجيم ساكنة مع تشديدها( ان صناعة الجداول تخصص لا يتقنه سوى نخبة الفقهاء السحرة الذين اكتسبوا معرفة دقيقة بأكثر »علوم السحر« تعقيدا ولأجل ذلك يطلبون مقابل عملهم تعويضات من الزبائن تكون قيمتها المالية كبيرة.
واهم العناصر التي صنع منها الجداول هي: حروف غير مفهومة مثل السبع خواتم، )معروفة بخاتم سليمان( حروف ابجدية، ارقام، اسماء هجرية، اسماء عناصر، اسماء الشياطين وملوك الجن والملائكة، اسماء الله الحسنى، سور من القرآن، اشكال هندسية مختلفة.
وتسمى الجداول كذلك في لغة السحرة »خواتم« او حسب شكلها الهندسي مربع مخمس وهي من التنوع والغرابة بشكل يرعب العامة او على الاقل احترامها للعمل السحري ومن مطالعتنا لبعض كتب السحر التي تحفل بالكثير من النماذج نستخلص ان الجدول الواحد يصلح لقضاء اكثر من غرض واحد وطريقة الاستعمال وحدها تحدد النتيجة التي حصل عليها المستفيد من العملية ونظرا لأن تلك الرسوم التخطيطية الغامضة تبدو متضمنة لخاصية سحرية )كل ما هو غامض هو سحري( فإن مؤلفي مصنفات السحر الاساسية بالغوا في حشو بعض الجداول بكل ما هو غريب وغامض من الرموز بيد ان اكثر اشكال الجداول خطورة )من وجهة نظر المعتقدات السحرية( واثارة لرعب العامة هي تلك المسماة »الجدولية«,والجدولية هي رقعة ورق وضعت عليها كتابات سحرية يتم اعدادها غالبا بدافع الغيرة وبغاية الانتقام الاسود من غريم او عدو وهذه العملية السحرية تستدعي القوى الخفية على رجل او امرأة من قبل فقيه ساحر يتعاهد من جني لإشراكه في العملية بحيث يصبح الجني حارسا للجدول السحري وضامنا لاستمرار مفعوله طالما بقي المستهدف بالعمل السحري حيا, ويمكن تلخيص العملية فيما يلي: »بعد ان يعد الساحر الجدولية« يقيم عهدا مكتوبا مع جني بأن يحرسها ثم يقوم بدفن كل من الجدولية والعهد المكتوب في الروضة المنسية باتباع طقس معقد جدا والروضة المنسية في فهم المغاربة هي المقبرة المهجورة التي كفت منذ امد بعيد عن استقبال موتى جدد وانمحت الكتابات من شواهد قبورها«,
ان الاثر السحري الذي يترتب عن هذا العمل المرعب يتحدد في جعل المستهدف منه يصبح غائبا عن محيطه وبتعبير المختصين في صرع الجن فإن ضحية الجدولية تصبح »ملبوسة من طرف الجن« وهي اخطر انواع الاصابات التي يلحقها الجن بالبشر وربما نجد في الامر بعض التشابه مع المضمون الغرائبي لحكايات الف ليلة وليلة التي اثرت بعمق في المتخيل الشعبي العربي وتركت بصمات واضحة المعالم في فلكلورنا الوطني وعلى الخصوص منها حكايات الجن الذي يظل مسجونا في قمقم او حارسا يحمي كنزا لعدة قرون,وفي زعم السحرة ان الجني الذي يحرس الجدولية يصبح متقمصا )لابسا( للضحية حتى لا تستطيع اية قوة سحرية اخرى ابطال مفعوله وفي محكمة الجن الكبرى في بويا عمر يحدث ان ينهار الحارس للجدولية اثناء حصص »الصريع« فيفيد هيئة المحكمة الغيبية بمصدر الشر الذي يحرسه واسم صاحب الجدول السحري والفقيه الذي صنعه وفي بعض الاحيان حتى المكان الذي دفن فيه الجدول والعهد, ولا يقتصر استعمال الجداول على الاغراض الملحقة للأذى بالغير فقط، بل يستعمل لأغراض نافعة ايضا, ومنها علاج لسعات الحيوانات السامة، والكلاب المصاب بالسعار، ولأجل ذلك ينقع الورق الذي كتبت عليه عبارات سحرية سرية في ماء، ثم يقدم شرابا للمريض، كما تعلق بعض الجداول الاخرى بغاية علاج امراض خطيرة، كحمى المستنقعات وأمراض القلب، وآلام الاعصاب والعقم، وغيرها,,.
طقوس طرد الشر والخصائص السحرية للحيوانات