بحث حول نهاية العالم وآراء جميع الديانات السماوية
تؤمن
الكثير من الأمم والحضارات على إختلاف معتقداتها الدينية بمجيء يوم لم
يسبق للبشرية أن شهدته طوال تاريخها، هذا لم يكن يؤرخ لنهاية التاريخ
أساساً ، وسيحل فيه الدمار الشامل سواء على كوكب الأرض أو حتى في الكون
ليأتي بعدها حياة أخرى تتمثل بالبعث وفي الحساب وفي المستقر النهائي
للأرواح بحسب الأديان السماوية أو أنها تعلن بدء دورة جديدة من الحياة.
لقد
وضعت أغلب الأديان سيناريوهات لهذا الحدث الجلل وما يسبقه من علامات أو
أحداث ، وفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن نهاية العالم خصوصاً مع
ارتباطه بزيادة مضطردة في الكوارث الطبيعية وإحتمالات تعرض الأرض لمخاطر
كبرى كضربة نيزك ضخم بالأرض وما أثيرحول نهاية تقويم شعب المايا في عام
2012 وأساطير كوكب نيبيرو ، ومع هذا فإن الحديث عن نهاية العالم ليس
جديداً بين الناس إذ تكهنت بعض الجماعات الدينية بحدوثه في الماضي ، وما
زال البعض يعتقد بأننا نعيش في آخر الزمان وبأن العد التنازلي قد بدأ وأننا
على مشارف حدوث معارك وحروب رهيبة فاصلة ترافقها اختلالات كونية كارثية
تؤدي إلى تدمير الأرض والسماوات.
1- المعتقد المسيحي واليهودي
المعتقد المسيحي
نجد
بعض التشابه بين المعتقدين المسيحي واليهودي فيما يخص بنهاية العالم
ويتلخص هذا في نزول المسيح المنتظر (المخلص) وقيام معركة (هرمجدون) وهي
المعركة الفاصلة النهائية بين الخير والشر ، بين أتباع الله وأتباع الشيطان
وعلى إثرها تكون نهاية العالم ليحكم بعدها المسيح العالم ويعيشون في
سعادة أبدية ثم يرفعون إلى السماء مع المسيح وتدمر الأرض ، تحدث هذه
المعركة بعد سماع النفير السادس من بين الملائكة السبعة وبعد سقوط الختم
السابع (إقرأ أدناه) .
وبحسب أحد التفسيرات المسيحية لنهاية
العالم فإن المسيح سيعود إلى الأرض ويهزم الدجال Antichrist عدو المسيح
(أو الوحش) ومعه الشيطان في معركة (هرمجدون) ، وسيلقى الشيطان في الهاوية
أو الجحيم لمدة 1000 سنة تعرف باسم "عصر الألفية" ، وبعد إنقضاء هذه المدة
سيتحرر الشيطان من الهاوية ويجمع أتباعاً له من قوم يأجوج ومأجوج من مختلف
جهات الأرض ليحاصروا الأماكن المقدسة ومدينة القدس (أورشليم)، لكن ناراً
سيشعلها الرب وتنطلق من السماوات لتلتهم يأجوح ومأجوج ، ومن ثم سيلقي
بالشيطان وأتباعه وأولئك ممن لم يذكروا في كتاب الحياة في بحيرة مشتعلة
بنار الكبريت والتي تسمى جيهينا Gehenna.
و(هرمجدون) كلمة
عبرية بالأصل ( هر ) تعني التل أو الجبل و ( مجدون ) هو مجيدو وهي هضبة في
منطقة فلسطين على بعد 90 كلم شمال القدس و 30 كلم جنوب شرق مدينة حيفا
وكانت مسرحاً لحروب ضارية في الماضي كما تعتبر موقعا أثريا هاماً أيضاً.
ولقد
ذكر تل مجيدو 12 مرة في العهد القديم من الكتاب المقدس ، وكان منها 10
إشارات إلى "مدينة مجيدو" و2 منها تشير إلى "سهل مجيدو" ، لكن من المرجح أن
المقصود به هو السهل المجاور لهذه المدينة، ومع ذلك لم تذكر هذه الآيات أي
معتقدات تنبؤية مرتبطة بها ، وكانت الإشارة الوحيدة لها في العهد الجديد
للكتاب المقدس وفي سفر الرؤيا 16:16 ومع ذلك لم تذكر الآية أو تتكهن بوجود
حشود في (هرمجادون)لأي من الجيوش ، رغم أنها تذكر : بأنهم (أي الملوك)
سيجتمعون فيها، ولكن بالإستناد إلى آية تسبقها عند 16:14 يبدو أن الهدف من
هذا الإجتماع بين الملوك هو القيام بمعركة فيما بينهم. ومع ذلك توصل بعض
الدارسين المسيحيين إلى إستنتاج مفاده أن جبل هرمجادون يجب أن يكون الموقع
المثالي لهذه المعركة .
علامات آخر الزمان
إن
سفر الرؤيا الذي كتبه يوحنا اللاهوتي (اعتبرته الكنيسة قديساً فطوبته
واعتبرت كتابه جزءاً من العهد الجديد للكتاب المقدس) يشكل جزءاً هاماً من
رؤى المسيح عن آخر الأيام ، يذكر هذا السفر 7 أحداث عظيمة تسبق نهاية
العالم ويمكن إعتبارها من أشراط الساعة في المعتقد المسيحي ويرمز لها
بالأختام السبعة التي تغلق وثيقة يحملها الرب بيمينه وهو جالس على العرش،
هذه الوثيقة تحمل نبوءات آخر الزمان. وكلما وقع حدث من الاحداث السبعة يسقط
أو يكسر ختم من الوثيقة .
الأختام السبعة
كلما اقتربت
نهاية العالم كلما سقط ختم من الوثيقة وازداد الدمار أكثر . يطلق على
الأختام الأربعة الأولى اسم " أختام الفرسان الأربع" ، الختم الأول يؤدي
إلى ظهور الدجال عدو المسيح ، والثاني يؤدي إلى قيام حرب عظيمة ، والثالث
يسبب حدوث المجاعة، والرابع يسبب الطاعون ومزيداً من المجاعة والحروب ،
والخامس يخبر عن الذين سيكون شهداء لإيمانهم بالمسيح في آخر الزمان ، والرب
يسمع صراخهم من أجل العدالة ويقدمها لهم بشكل ختم سادس ، وعندما يزال
الختم السادس سيحدث زلزال يؤدي إلى إضطراب هائل ويسبب دماراً رهيباً مع
إختلال في الظواهر الفلكية.
الختم السابع والأخير
عندما
يسقط أو يكسر الختم السابع الأخير من الوثيقة يكون هناك 7 ملائكة يحمل كل
منها بوقاً أو نفير وينفخ كل منهم بدوره وبعد كل نفير يقع حدث كما يلي :
- عند النفير الأول ينزل البرد والنار ممزوجاً بالدم على الأرض محرقاً فيها ثلث أشجارها وخضارها.
-
وعند النفير الثاني يضرب جبل عظيم ومشتعل بالنار البحر ويمحي من الوجود
ثلث الكائنات البحرية والسفن ، وثلث المحيطات سيتحول إلى دم.
-
وعند النفير الثالث سيسقط نجم عظيم يسمى "المرارة" على الأرض مما يؤدي إلى
تسميم ثلث مصادر المياه العذبة على الأرض كالانهار والينابيع ، وسيموت
أناس من شربهم منها لمرارتها.
- عند النفير الرابع يخفت ضوء
الشمس والقمر والنجوم فيضيع ثلث ضوئها بسبب تلقيها لضربات من أجرام سماوية.
وهذه الكارثة تسبب الظلام الكامل لثلث فترة اليوم خلال النهار وحتى خلال
ساعات الليل.
- ويعلن النفير الخامس حدوث الويلات ، الويلة
الأولى من بين الثلاثة ، لكن قبل النفخ في البوق يظهر ملاك بهيئة نسر يطير
في وسط السماء ويحذر : " الويل .. الويل ..الويل .. للساكنين على هذه الأرض
من أصوات نفير الملائكة الثلاثة الذين هم على وشك النفخ في الأبواق".
-
والنفير الخامس يعجل بسقوط نجم من السماء وهذا النجم يملك مفتاح الهاوية ،
وبعد أن يفتحها يرتفع الدخان ويصبح الهواء حالك السواد بعد أن يمنع أشعة
الشمس ، ومن بين الادخنة المتصاعدة يخرج الجراد ، وهناك عقارب لها وجوه
البشر وأذيالها كأذيال خيول الحرب ، وأسنانها كأسنان الأسود ، وشعرها طويل
كشعر النساء ، وتطير بأجنحة تشبه أجنحة الجراد، وعلى روؤسها تيجان ذهبية
ومحمية صدورها بما يشبه دروع حديدية. ويقودها ملك واسمه (أبادون) ملك
الجحيم ليعذبوا الناس الذين ليس لديهم ختم الله على جباههم ويضربونهم
بأذيالهم التي تشبه أذيال العقارب. وهم مأمورين بأن لا يقتلوا أياً من
البشر خلال قيامهم بمهمة تعذيب أولئك البشر والتي تنقضي بعد 5 أشهر.
-
عند النفير السادس ، وبعد إنقضاء 5 أشهر على النفير الخامس ، يُسمع صوت
النفير السادس ، وهي الويلة الثانية ، حيث يتم الإفراج عن 4 ملائكة لتذهب
إلى " نهر الفرات العظيم " فتقود من هناك قوة غاشمة قوامها 200 مليون من
الفرسان والتي تنشر الطاعون من أفواه خيولها ، وكذلك النار والدخان
والكبريت . يلبس الفرسان دروعاً لونها لون النار والياقوت والكبريت. للخيول
روؤس الأسود وذيولها كذيل الأفعى ، حتى رؤوس الأفعى ، وهذ القوة تنهي ثلث
البشر الذين ابلتوا بالطاعون من هذه الجيوش المروعة. وعند هذا النفير يجف
نهر الفرات وتجتمع جيوش الدجال (عدو المسيح ) في معركة هرمجدون.
-
عند النفير السابع والأخير تنطلق الويلة الثالثة ، وتعلن أصوات عالية في
السماء عن أن المسيح "حاكم أبدي لمملكة الرب "، ويتلفظ بالثناء للرب ويحمد
لغضبه الذي أتى ، ويحاسب المذنبون ويكافأ الصالحون . ثم ينفتح معبد الرب في
السماء ويظهر تابوت العهد في معبده ، ثم يحدث البرق ويدوي الرعد ويعقبه
زلزال وعاصفة برد عظيمة.
المعتقد اليهودي
ويستند اليهود إلى النص
العبري الوارد في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 16 (رغم أنه من العهد الجديد
الذي لا يؤمنون به)، بأن المعركة المسماة معركة هرمجدون ستقع في الوادي
الفسيح المحيط بجبل هرمجدون في أرض فلسطين وأن المسيح سوف ينزل من السماء
ويقود جيوشهم ويحققون النصر على الكفار، والنص كما يلي:
" ثم
سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير ـ الفرات ـ فنشف ماؤه لكي يُعدَّ
طريق الملوك الذين من مشرق الشمس، ورأيت من فم التنين ومن فم الوحش ومن فم
النبي الكذاب ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات
تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم
الله القادر على كل شيء، ها أنا آت كمخلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا
يمشي عرياناً، فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون ".
-
ومع أن اليهود لا يؤمنون بالعهد الجديد إلا أنهم استثمروا فكرة هرمجدون
لتوجيه الأحداث لصالحهم، وربما ادعوا أن يوم " هرمجدون " هو يوم "غضب الرب "
المذكور في توراتهم ، وتعتبر معركة "هرمجدون " من منظور مسيحي-صهيوني
مجزرة بشرية هائلة أو حرب نووية يباد فيها معظم البشرية، وسوف تقع بين قوى
الشر من جانب ممثلة في في الشيطان وجنوده، يعاونه - في زعمهم - المسلمون
وبعض الروس، وبعض المنشقين على الكنيسة، وبعض اليهود أيضاً، وبين قوى الخير
من جانب آخر ممثلة في المسيح وقواته من الملائكة التي سترافقه في عودته،
يعاوم قوى الخير من البشر ومنها الشعب الأمريكي ، وسوف تباد في هذه المعركة
غالبية البشر ويسجنه ، ويأسره ، وعقب اية المعركة بانتصار المسيح يقبض على
الشيطان وأثناء المعركة سوف يرفَع الأبرار من المؤمنين إلى السماء لمراقبة
أحداثها من خلال السحاب، ثم يعودون سالمين إلى الأرض ليعيشوا مع المسيح
لمدة ألف سنة في "الفردوس الأرضي ".
ويرى بعض الباحثين أن هذه
الحرب ستكون عظيمة ومدمرة لم يشهدها التاريخ قط وقد تهدد الحضارة لتعود
بالبشر إلى المظاهر البدائية ، و(هرمجودون) كلمة كثيراً ما تتكرر في كتب
الباحثين في اللاهوت ولمفكرين وحتى علماء وبعضهم ينذر منها ويعد العدة لها ،
بل أن منهم من يتمنى وقوعها لأنها بحسب زعمهم ناقوس الإيذان لخروج المسيح ،
ولكن أي مسيح ؟ ، إن المسيح الذي ينتظره اليهود ليس هو المسيح بن مريم
الذي ينتظره المسيحيون .
تأثير هرمجدون في الولايات المتحدة
كان
لهذه المعركة المستقبلية الفاصلة في تل مجيدو تأثير كبير خصوصاً في
الولايات المتحدة الأمريكية ، فوفقاً لـ (دونالد واغنر) وهو بروفسور في
الأديان ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة نورث بارك فإن الرئيس
الأمريكي السابق (رونالد ريغان) (1911-2004) كان ملتصقاً بفكرة هرمجادون
اللاهوتية وعلى ما يبدو أنه مزج التحليل السياسي مع فكرته عن هرمجادون ،
حتى أن بعض التقارير ذكرت أن مجموعات من الميليشيات في الولايات المتحدة
مثل (هوتاري) تجهز نفسها للقيام بأعمال قتالية لها صلة بهذه المعتقدات.
يقول
رونالد ريغان الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية :"إن هذا الجيل
بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون "، ويقول الزعيم المسيحي
المعروف جيري فولويل : " إن هرمجدون حقيقة .. إنها حقيقة مركبة ، ولكن نشكر
الله أنها ستكون نهاية العامة ".
و يذكر أنه في عام 1984
أجرت مؤسسة يانكلوفينش استفتاء أظهر أن 39% من الشعب الأمريكي أي حوالي 85
مليون يعتقدون أن حديث الإنجيل عن تدمير الأرض بالنار - قبل قيام الساعة -
بحرب نووية فاصلة.
2- المعتقد الإسلامي
= الاول =
ذكر يوم النهاية أو
الذي يوصف بـ "الساعة " في القرآن الكريم في عدة آيات وكانت هذه الآيات
تركز على أهميته وإقتراب حدوثه وبأنه يسبق إحقاق العدل من خلال المحاكمة
الكبرى لكل البشر وغيرهم من المكلفين (الجن) على كل ما كسبوه في حياتهم من
حسنات وسيئات ، كما نرى في الآية التالية :
" إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى " (سورة طه - 15)
لكن هذا اليوم سيأتي مفاجئاً للناس ولن يعلمه إلا الله كما نرى في الآية التالية :
"
يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها
إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها
قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (سورة الأعراف - 187)
ورغم
ذلك فإن عدة أحاديث لرسول الله محمد ذكرت علامات وأحداث تسبق هذا اليوم
المشهود وهي تصنف كعلامات كبرى وعلامات صغرى ، حيث تصف العلامات الكبرى
نقاط تحول كبيرة في تاريخ البشرية وفي الأحداث الكونية كذلك وأحداث
إستثنائية خارقة للعادة، أما العلامات الصغرى فهي تشير في أغلبها إلى
إنهيار إجتماعي في منظومة الأخلاق والقيم الإنسانية لدى البشر.
ونذكر
من العلامات الكبرى : ظهور المهدي والدابة المتكلمة بلغة البشر وطلوع
الشمس من مغربها والدخان خروج الأعور الدجال (يدعي أنه المسيح المنتظر) و
من ثم نزول المسيح ابن مريم ليصرعه ، وخروج يأجوج ومأجوج ومنها أيضاً الريح
الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين فقط ليبقى فيها الفاسقين .
نار الحجاز (حدثت )
يعتقد
بأن علامة مذكورة في أحد الأحاديث قد تحققت في القرن السابع الهجري وهي
نار الحجاز حيث أن بعض أهل العلم قد عاش تلك الأيام وعاصرها ومنهم الإمام
النووي ، وذكر أن ناراً خرجت عند المدينة سبقها زلازل وصواعق مرعبة وغامضة
وارتجفت الأرض لـ 6 أو 7 أيام ، وإذا بالنار تخرج من الحجاز والناس في
المدينة ، كانت النار تخرج من باطن الأرض كالسيول بين الوديان وتتأجج
لترتفع إلى الأرض وقيل أن لها شرراً ولهب من عظمته كالجمال، وشهد الناس على
ذلك بأعينهم فتذكروا حديث الرسول وعلموا أن الساعة قد اقتربت فذهبوا
يذكرون الله خائفين مرعبين وأخذوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،
ودخلوا مسجد النبي بالمدينة واجتمعوا هناك وأخذوا بالبكاء رجلاً ونسائاً
وولدانا وشيبا وأمراء وحكام وأغنياء وترى الناس بين عابد وتائب وخاشع وذليل
ومصلي وساجد وراكع ، وأرجع الناس للناس مظالمهم وتحللوا منها والنار لا
تزال ترتفع وتكبر حتى أن الناس بالشام يرون لهبها وضوئها في السماء إلى أن
أضاءت لها من شدة النار وتوهجها أعناق الإبل هناك . واستمرت على ذلك الحال
والناس يدعون ويتضرعون إلى الله حتى هدأت في اليوم السادس أو السابع من بدء
خروجها ، فهذه العلامة قد وقعت قبل ما يزيد عن 700 عام من الآن .
إنحسار نهر الفرات
بخلاف
العلامات الصغرى التي تزيد عن 95 علامة يوجد علامات وسطى (لا صغرى ولا
كبرى) كانحسار الفرات عن جبل من ذهب كما جاء في حديث البخاري في كتاب الفتن
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب " ،
وفي رواية أخرى : " عن جبل من ذهب "، وهذه العلامة تسبق العلامات الكبرى
فترة قليلة جداً ، ويكون ذلك قبل ظهور المهدي أو عند ظهوره والآن خلال
أيامنا هذه نسمع أو نقرأ بالصحف عن وجود الذهب في الفرات وهناك برامج
تليفزيونية تتحدث عن هذا ، وسيتقاتل على هذا الذهب كثير من الأمم وقد حذر
النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أخذ شئ من هذا الذهب وقال : حتى يحسر
الفرات عن جبل من ذهب فيقتتلون عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون وينجوا
واحداً ( البخاري ).
حرب آخر الزمان : هرمجدون ؟
ومن
العلامات الملحمية الكبرى في آخر الزمان علامة أشار إليه رسول الله محمد
وتتشابه مع ما أتى ذكره في المعتقد المسيحي اليهودي عن حرب (هرمجدون) مع
الإختلاف في التفاصيل وفي الأطراف المتصارعة.
ذكر في الحديث
على لسان محمد رسول الله : " ستصالحون الروم صلحاً آمنا فتغزون أنتم وهم
عدواً من ورائهم فتسلمون وتغنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من
الروم فيرفع الصليب ويقول غلب الصليب فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله
فيغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون لكم ثمانين غاية مع كل غاية أثنا عشر
ألفا " - حديث يصنفه الفقهاء على أنه صحيح و رواه أحمد وأبو داود وأبن ماجه
وابن حيان عن ذي مخمر رضي الله عنه .
وكما هو واضح من نص
الحديث أن ثمة حربين ستقعان الأولى قد تكون معركة هرمجدون العالمية وهي
التي يعرفها الجميع ويتوقعونها فستكون هدنة تحالفية بين المسلمين وبين
الروم وقد يمثلون شعوب أمريكا وأوروبا الحاليين فيقاتلون عدوا مشتركاً لا
يعلم من هو (ربما الروس واليهود) وستدور هذه المعركة على أرض فلسطين حيث
تلتقي جيوش جرارة ضخمة ، وسيكون النصر حليف المسلمين والروم وربما تكون
حرباً مدمرة نووية تفني معظم الأسلحة الإستراتيجية وتقضي على الحضارة وتعيد
البشرية إلى حياة بدائية، أما الثانية وهي الملاحم وهذه لا يعلم عنها إلا
القليل وستكون بحسب نص الحديث بين المسلمين والروم في أعقاب حرب هرمجدون
والله أعلم.
وقد تدمر في هذه المعركة كل أو أكثر الأسلحة
النووية الفتاكة وسيموت خلق كثير وسيعود الناس والعرب إلى ركوب الخيل
والإبل وحمل السيوف والرماح حيث ستكون الملحمة الكبرى ليست بالطائرات
والصواريخ وأسلحة هذا الزمان المتطورة ، وهذه الحرب أي هرمجدون ستسبق قبل
نزول المسيح عيسى ابن مريم .
الدابة التي تتكلم بلغة البشر
ومن العلامات التي تتحدث عن اقتراب نهاية العالم وتقطع باب التوبة هي الدابة التي ذكرت في القرآن الكريم :
" وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم " (سورة النمل-82 ).
إذ
يخرج مخلوق عجيب من أغرب ما يكون منذ أن خلق الله البشرية إلى يوم القيامة
وهي الدابة ، حيث أن خروجها يعني اختلال في الكون والعادات والسنن
الطبيعية وهي حيوان لم يولد كسائر الحيوانات من أبوين بل خلقت خلقاً كناقة
صالح عليه السلام ، وما يميزها أنها حيوان يكلم الناس بكل لغاتهم المعروفة
تفهمهم ويفهمونها ويقال أنه حيوان عظيم الخلقة له قوائم ودبر وقيل أن طولها
يصل إلى ستون ذراعاً وخلقتها فريدة من نوعها تخرج ومعها عصا موسى وخاتم
سليمان ، وتتميز كذلك بالسرعة فلا يدركها طالب ولا يعجزها هارب ، وقيل أنها
هي نفسها "الجساسة" التي خرجت لتميم الداري حين ارفأت بهم السفينة على
جزيرة الدجال في عهد محمد رسول الله ، فتبقى الدابة ما شاء الله أن تبقى في
الأرض حتى تذهب وتختفي فلا يعلم الناس أين ذهبت .
شروق الشمس من المغرب
بعد
اختفاء الدابة بزمن يصبح الناس في أحد الأيام على شمس تبزغ من جهة الغرب
على غير عادتها منذ أن خلق الكون فيبهت الناس فيؤمنون جميعاً فولكن لا ينفع
نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل كما ذكر في هذه الآية :
" يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " (سورة الأنعام - 158)
حيث
يقصد بـ "آيات ربك" علامات ظهور الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ،
ويستدل على ذلك من الحديث حيث يقول محمد رسول الله :" لا تقوم الساعة حتى
تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها فذاك حين لا ينفع نفسا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل " - رواه البخاري
تفسير علمي لشروق الشمس من مغربها - الباحث كمال غزال
يعتبر
شروق الشمس من الغرب إحدى إهم العلامات الكبرى على نهاية العالم أو من
أشراط "الساعة" في المعتقد الإسلامي ، وإذا ما حاولنا فهم هذه العلامة من
منظور حركة الأجرام السماوية والقوانين الفيزيائية التي تسير عليها ، فإن
هذا يعني أن الأرض سوف تدور حول محورها من اليسار إلى اليمين لأنها إذا
دارت بعكس حركة دورانها الحالية فإن الشمس ستشرق من الغرب بالنسبة للناظر
من الأرض بدلاً من الشرق، ولكن ما الذي سيجعل الأرض تدور بعكس حركة دورانها
؟ من المرجح أن إصطدام جرم سماوي كبير نسبياً بالأرض قادر على عكس حركة
دورانها ، وبالتالي ربما تكون نهاية العالم ناجمة عن هذا الإصطدام
الهائل كما تحدثت عنها فرضية نيبيرو ، ونيبيرو قد يكون مجرد كوكيب (نيزك
عملاق ) قد يصل قطره إلى أكثر من 10 كيلومترات وقادم من حزام الكويكبات بين
كوكبي المشتري والمريخ ، خاصة أن سيناريو اصطدام الأرض بكويكب من هذا
الحجم هو أقصى ما يتخوف منه علوم الفلك في العصر الحديث وهو خطر ليس بعيد
الإحتمال إذا ما نظرنا إلى العدد الهائل من تلك الكويكبات وبعضها عملاق
بحجم يقارب مساحة فرنسا كلها.
وهناك فرضية أخرى تتحدث عن
تباطؤ دوران الأرض حول نفسها حيث لوحظ أن طول اليوم يقصر مع مرور كل سنة
جزءاً ضئيلة جداً من الثانية ويمكن قياسه بالساعة الذرية ، ويتوقع العلماء
أن يستمر محور الأرض بالتباطؤ إلى أن يتوقف ومن ثم يعكس جهة دورانه
وبالتالي تشرق الشمس من الغرب ولكن هذه العملية تحتاج إلى ملايين السنين
ومن الواضح أن الساعة وشيكة كما ذكر في القرآن الكريم فإذن هذه الفرضية
مستبعدة لأنه لا يمكن أن يستغرق حدوثها زمن أطول بكثير من زمن وجود البشر
على هذه الأرض الذي يقدر فقط بآلاف.
2- المعتقد الاسلامي
= الثاني =
نهاية العالم وظهور المهدي المنتظر (ع) الموضوع الاخير للعلامة السيد محمد محمد صادق الصدر (رضوان الله عليه)
[center]
* كلمات صاحب الموضوع الاصلي *
توكلت على الله رب العالمين
من خلال تصفحي في بعض المنتديات رأيت ان كثير تؤمن
الكثير من الأمم والحضارات على إختلاف معتقداتها الدينية بمجيء يوم لم
يسبق للبشرية أن شهدته طوال تاريخها، هذا لم يكن يؤرخ لنهاية التاريخ
أساساً ، وسيحل فيه الدمار الشامل سواء على كوكب الأرض أو حتى في الكون
ليأتي بعدها حياة أخرى تتمثل بالبعث وفي الحساب وفي المستقر النهائي
للأرواح بحسب الأديان السماوية أو أنها تعلن بدء دورة جديدة من الحياة.
لقد
وضعت أغلب الأديان سيناريوهات لهذا الحدث الجلل وما يسبقه من علامات أو
أحداث ، وفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن نهاية العالم خصوصاً مع
ارتباطه بزيادة مضطردة في الكوارث الطبيعية وإحتمالات تعرض الأرض لمخاطر
كبرى كضربة نيزك ضخم بالأرض وما أثيرحول نهاية تقويم شعب المايا في عام
2012 وأساطير كوكب نيبيرو ، ومع هذا فإن الحديث عن نهاية العالم ليس
جديداً بين الناس إذ تكهنت بعض الجماعات الدينية بحدوثه في الماضي ، وما
زال البعض يعتقد بأننا نعيش في آخر الزمان وبأن العد التنازلي قد بدأ وأننا
على مشارف حدوث معارك وحروب رهيبة فاصلة ترافقها اختلالات كونية كارثية
تؤدي إلى تدمير الأرض والسماوات.
1- المعتقد المسيحي واليهودي
المعتقد المسيحي
نجد
بعض التشابه بين المعتقدين المسيحي واليهودي فيما يخص بنهاية العالم
ويتلخص هذا في نزول المسيح المنتظر (المخلص) وقيام معركة (هرمجدون) وهي
المعركة الفاصلة النهائية بين الخير والشر ، بين أتباع الله وأتباع الشيطان
وعلى إثرها تكون نهاية العالم ليحكم بعدها المسيح العالم ويعيشون في
سعادة أبدية ثم يرفعون إلى السماء مع المسيح وتدمر الأرض ، تحدث هذه
المعركة بعد سماع النفير السادس من بين الملائكة السبعة وبعد سقوط الختم
السابع (إقرأ أدناه) .
وبحسب أحد التفسيرات المسيحية لنهاية
العالم فإن المسيح سيعود إلى الأرض ويهزم الدجال Antichrist عدو المسيح
(أو الوحش) ومعه الشيطان في معركة (هرمجدون) ، وسيلقى الشيطان في الهاوية
أو الجحيم لمدة 1000 سنة تعرف باسم "عصر الألفية" ، وبعد إنقضاء هذه المدة
سيتحرر الشيطان من الهاوية ويجمع أتباعاً له من قوم يأجوج ومأجوج من مختلف
جهات الأرض ليحاصروا الأماكن المقدسة ومدينة القدس (أورشليم)، لكن ناراً
سيشعلها الرب وتنطلق من السماوات لتلتهم يأجوح ومأجوج ، ومن ثم سيلقي
بالشيطان وأتباعه وأولئك ممن لم يذكروا في كتاب الحياة في بحيرة مشتعلة
بنار الكبريت والتي تسمى جيهينا Gehenna.
و(هرمجدون) كلمة
عبرية بالأصل ( هر ) تعني التل أو الجبل و ( مجدون ) هو مجيدو وهي هضبة في
منطقة فلسطين على بعد 90 كلم شمال القدس و 30 كلم جنوب شرق مدينة حيفا
وكانت مسرحاً لحروب ضارية في الماضي كما تعتبر موقعا أثريا هاماً أيضاً.
ولقد
ذكر تل مجيدو 12 مرة في العهد القديم من الكتاب المقدس ، وكان منها 10
إشارات إلى "مدينة مجيدو" و2 منها تشير إلى "سهل مجيدو" ، لكن من المرجح أن
المقصود به هو السهل المجاور لهذه المدينة، ومع ذلك لم تذكر هذه الآيات أي
معتقدات تنبؤية مرتبطة بها ، وكانت الإشارة الوحيدة لها في العهد الجديد
للكتاب المقدس وفي سفر الرؤيا 16:16 ومع ذلك لم تذكر الآية أو تتكهن بوجود
حشود في (هرمجادون)لأي من الجيوش ، رغم أنها تذكر : بأنهم (أي الملوك)
سيجتمعون فيها، ولكن بالإستناد إلى آية تسبقها عند 16:14 يبدو أن الهدف من
هذا الإجتماع بين الملوك هو القيام بمعركة فيما بينهم. ومع ذلك توصل بعض
الدارسين المسيحيين إلى إستنتاج مفاده أن جبل هرمجادون يجب أن يكون الموقع
المثالي لهذه المعركة .
علامات آخر الزمان
إن
سفر الرؤيا الذي كتبه يوحنا اللاهوتي (اعتبرته الكنيسة قديساً فطوبته
واعتبرت كتابه جزءاً من العهد الجديد للكتاب المقدس) يشكل جزءاً هاماً من
رؤى المسيح عن آخر الأيام ، يذكر هذا السفر 7 أحداث عظيمة تسبق نهاية
العالم ويمكن إعتبارها من أشراط الساعة في المعتقد المسيحي ويرمز لها
بالأختام السبعة التي تغلق وثيقة يحملها الرب بيمينه وهو جالس على العرش،
هذه الوثيقة تحمل نبوءات آخر الزمان. وكلما وقع حدث من الاحداث السبعة يسقط
أو يكسر ختم من الوثيقة .
الأختام السبعة
كلما اقتربت
نهاية العالم كلما سقط ختم من الوثيقة وازداد الدمار أكثر . يطلق على
الأختام الأربعة الأولى اسم " أختام الفرسان الأربع" ، الختم الأول يؤدي
إلى ظهور الدجال عدو المسيح ، والثاني يؤدي إلى قيام حرب عظيمة ، والثالث
يسبب حدوث المجاعة، والرابع يسبب الطاعون ومزيداً من المجاعة والحروب ،
والخامس يخبر عن الذين سيكون شهداء لإيمانهم بالمسيح في آخر الزمان ، والرب
يسمع صراخهم من أجل العدالة ويقدمها لهم بشكل ختم سادس ، وعندما يزال
الختم السادس سيحدث زلزال يؤدي إلى إضطراب هائل ويسبب دماراً رهيباً مع
إختلال في الظواهر الفلكية.
الختم السابع والأخير
عندما
يسقط أو يكسر الختم السابع الأخير من الوثيقة يكون هناك 7 ملائكة يحمل كل
منها بوقاً أو نفير وينفخ كل منهم بدوره وبعد كل نفير يقع حدث كما يلي :
- عند النفير الأول ينزل البرد والنار ممزوجاً بالدم على الأرض محرقاً فيها ثلث أشجارها وخضارها.
-
وعند النفير الثاني يضرب جبل عظيم ومشتعل بالنار البحر ويمحي من الوجود
ثلث الكائنات البحرية والسفن ، وثلث المحيطات سيتحول إلى دم.
-
وعند النفير الثالث سيسقط نجم عظيم يسمى "المرارة" على الأرض مما يؤدي إلى
تسميم ثلث مصادر المياه العذبة على الأرض كالانهار والينابيع ، وسيموت
أناس من شربهم منها لمرارتها.
- عند النفير الرابع يخفت ضوء
الشمس والقمر والنجوم فيضيع ثلث ضوئها بسبب تلقيها لضربات من أجرام سماوية.
وهذه الكارثة تسبب الظلام الكامل لثلث فترة اليوم خلال النهار وحتى خلال
ساعات الليل.
- ويعلن النفير الخامس حدوث الويلات ، الويلة
الأولى من بين الثلاثة ، لكن قبل النفخ في البوق يظهر ملاك بهيئة نسر يطير
في وسط السماء ويحذر : " الويل .. الويل ..الويل .. للساكنين على هذه الأرض
من أصوات نفير الملائكة الثلاثة الذين هم على وشك النفخ في الأبواق".
-
والنفير الخامس يعجل بسقوط نجم من السماء وهذا النجم يملك مفتاح الهاوية ،
وبعد أن يفتحها يرتفع الدخان ويصبح الهواء حالك السواد بعد أن يمنع أشعة
الشمس ، ومن بين الادخنة المتصاعدة يخرج الجراد ، وهناك عقارب لها وجوه
البشر وأذيالها كأذيال خيول الحرب ، وأسنانها كأسنان الأسود ، وشعرها طويل
كشعر النساء ، وتطير بأجنحة تشبه أجنحة الجراد، وعلى روؤسها تيجان ذهبية
ومحمية صدورها بما يشبه دروع حديدية. ويقودها ملك واسمه (أبادون) ملك
الجحيم ليعذبوا الناس الذين ليس لديهم ختم الله على جباههم ويضربونهم
بأذيالهم التي تشبه أذيال العقارب. وهم مأمورين بأن لا يقتلوا أياً من
البشر خلال قيامهم بمهمة تعذيب أولئك البشر والتي تنقضي بعد 5 أشهر.
-
عند النفير السادس ، وبعد إنقضاء 5 أشهر على النفير الخامس ، يُسمع صوت
النفير السادس ، وهي الويلة الثانية ، حيث يتم الإفراج عن 4 ملائكة لتذهب
إلى " نهر الفرات العظيم " فتقود من هناك قوة غاشمة قوامها 200 مليون من
الفرسان والتي تنشر الطاعون من أفواه خيولها ، وكذلك النار والدخان
والكبريت . يلبس الفرسان دروعاً لونها لون النار والياقوت والكبريت. للخيول
روؤس الأسود وذيولها كذيل الأفعى ، حتى رؤوس الأفعى ، وهذ القوة تنهي ثلث
البشر الذين ابلتوا بالطاعون من هذه الجيوش المروعة. وعند هذا النفير يجف
نهر الفرات وتجتمع جيوش الدجال (عدو المسيح ) في معركة هرمجدون.
-
عند النفير السابع والأخير تنطلق الويلة الثالثة ، وتعلن أصوات عالية في
السماء عن أن المسيح "حاكم أبدي لمملكة الرب "، ويتلفظ بالثناء للرب ويحمد
لغضبه الذي أتى ، ويحاسب المذنبون ويكافأ الصالحون . ثم ينفتح معبد الرب في
السماء ويظهر تابوت العهد في معبده ، ثم يحدث البرق ويدوي الرعد ويعقبه
زلزال وعاصفة برد عظيمة.
المعتقد اليهودي
ويستند اليهود إلى النص
العبري الوارد في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 16 (رغم أنه من العهد الجديد
الذي لا يؤمنون به)، بأن المعركة المسماة معركة هرمجدون ستقع في الوادي
الفسيح المحيط بجبل هرمجدون في أرض فلسطين وأن المسيح سوف ينزل من السماء
ويقود جيوشهم ويحققون النصر على الكفار، والنص كما يلي:
" ثم
سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير ـ الفرات ـ فنشف ماؤه لكي يُعدَّ
طريق الملوك الذين من مشرق الشمس، ورأيت من فم التنين ومن فم الوحش ومن فم
النبي الكذاب ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات
تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم
الله القادر على كل شيء، ها أنا آت كمخلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا
يمشي عرياناً، فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون ".
-
ومع أن اليهود لا يؤمنون بالعهد الجديد إلا أنهم استثمروا فكرة هرمجدون
لتوجيه الأحداث لصالحهم، وربما ادعوا أن يوم " هرمجدون " هو يوم "غضب الرب "
المذكور في توراتهم ، وتعتبر معركة "هرمجدون " من منظور مسيحي-صهيوني
مجزرة بشرية هائلة أو حرب نووية يباد فيها معظم البشرية، وسوف تقع بين قوى
الشر من جانب ممثلة في في الشيطان وجنوده، يعاونه - في زعمهم - المسلمون
وبعض الروس، وبعض المنشقين على الكنيسة، وبعض اليهود أيضاً، وبين قوى الخير
من جانب آخر ممثلة في المسيح وقواته من الملائكة التي سترافقه في عودته،
يعاوم قوى الخير من البشر ومنها الشعب الأمريكي ، وسوف تباد في هذه المعركة
غالبية البشر ويسجنه ، ويأسره ، وعقب اية المعركة بانتصار المسيح يقبض على
الشيطان وأثناء المعركة سوف يرفَع الأبرار من المؤمنين إلى السماء لمراقبة
أحداثها من خلال السحاب، ثم يعودون سالمين إلى الأرض ليعيشوا مع المسيح
لمدة ألف سنة في "الفردوس الأرضي ".
ويرى بعض الباحثين أن هذه
الحرب ستكون عظيمة ومدمرة لم يشهدها التاريخ قط وقد تهدد الحضارة لتعود
بالبشر إلى المظاهر البدائية ، و(هرمجودون) كلمة كثيراً ما تتكرر في كتب
الباحثين في اللاهوت ولمفكرين وحتى علماء وبعضهم ينذر منها ويعد العدة لها ،
بل أن منهم من يتمنى وقوعها لأنها بحسب زعمهم ناقوس الإيذان لخروج المسيح ،
ولكن أي مسيح ؟ ، إن المسيح الذي ينتظره اليهود ليس هو المسيح بن مريم
الذي ينتظره المسيحيون .
تأثير هرمجدون في الولايات المتحدة
كان
لهذه المعركة المستقبلية الفاصلة في تل مجيدو تأثير كبير خصوصاً في
الولايات المتحدة الأمريكية ، فوفقاً لـ (دونالد واغنر) وهو بروفسور في
الأديان ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة نورث بارك فإن الرئيس
الأمريكي السابق (رونالد ريغان) (1911-2004) كان ملتصقاً بفكرة هرمجادون
اللاهوتية وعلى ما يبدو أنه مزج التحليل السياسي مع فكرته عن هرمجادون ،
حتى أن بعض التقارير ذكرت أن مجموعات من الميليشيات في الولايات المتحدة
مثل (هوتاري) تجهز نفسها للقيام بأعمال قتالية لها صلة بهذه المعتقدات.
يقول
رونالد ريغان الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية :"إن هذا الجيل
بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون "، ويقول الزعيم المسيحي
المعروف جيري فولويل : " إن هرمجدون حقيقة .. إنها حقيقة مركبة ، ولكن نشكر
الله أنها ستكون نهاية العامة ".
و يذكر أنه في عام 1984
أجرت مؤسسة يانكلوفينش استفتاء أظهر أن 39% من الشعب الأمريكي أي حوالي 85
مليون يعتقدون أن حديث الإنجيل عن تدمير الأرض بالنار - قبل قيام الساعة -
بحرب نووية فاصلة.
2- المعتقد الإسلامي
= الاول =
ذكر يوم النهاية أو
الذي يوصف بـ "الساعة " في القرآن الكريم في عدة آيات وكانت هذه الآيات
تركز على أهميته وإقتراب حدوثه وبأنه يسبق إحقاق العدل من خلال المحاكمة
الكبرى لكل البشر وغيرهم من المكلفين (الجن) على كل ما كسبوه في حياتهم من
حسنات وسيئات ، كما نرى في الآية التالية :
" إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى " (سورة طه - 15)
لكن هذا اليوم سيأتي مفاجئاً للناس ولن يعلمه إلا الله كما نرى في الآية التالية :
"
يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها
إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها
قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (سورة الأعراف - 187)
ورغم
ذلك فإن عدة أحاديث لرسول الله محمد ذكرت علامات وأحداث تسبق هذا اليوم
المشهود وهي تصنف كعلامات كبرى وعلامات صغرى ، حيث تصف العلامات الكبرى
نقاط تحول كبيرة في تاريخ البشرية وفي الأحداث الكونية كذلك وأحداث
إستثنائية خارقة للعادة، أما العلامات الصغرى فهي تشير في أغلبها إلى
إنهيار إجتماعي في منظومة الأخلاق والقيم الإنسانية لدى البشر.
ونذكر
من العلامات الكبرى : ظهور المهدي والدابة المتكلمة بلغة البشر وطلوع
الشمس من مغربها والدخان خروج الأعور الدجال (يدعي أنه المسيح المنتظر) و
من ثم نزول المسيح ابن مريم ليصرعه ، وخروج يأجوج ومأجوج ومنها أيضاً الريح
الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين فقط ليبقى فيها الفاسقين .
نار الحجاز (حدثت )
يعتقد
بأن علامة مذكورة في أحد الأحاديث قد تحققت في القرن السابع الهجري وهي
نار الحجاز حيث أن بعض أهل العلم قد عاش تلك الأيام وعاصرها ومنهم الإمام
النووي ، وذكر أن ناراً خرجت عند المدينة سبقها زلازل وصواعق مرعبة وغامضة
وارتجفت الأرض لـ 6 أو 7 أيام ، وإذا بالنار تخرج من الحجاز والناس في
المدينة ، كانت النار تخرج من باطن الأرض كالسيول بين الوديان وتتأجج
لترتفع إلى الأرض وقيل أن لها شرراً ولهب من عظمته كالجمال، وشهد الناس على
ذلك بأعينهم فتذكروا حديث الرسول وعلموا أن الساعة قد اقتربت فذهبوا
يذكرون الله خائفين مرعبين وأخذوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،
ودخلوا مسجد النبي بالمدينة واجتمعوا هناك وأخذوا بالبكاء رجلاً ونسائاً
وولدانا وشيبا وأمراء وحكام وأغنياء وترى الناس بين عابد وتائب وخاشع وذليل
ومصلي وساجد وراكع ، وأرجع الناس للناس مظالمهم وتحللوا منها والنار لا
تزال ترتفع وتكبر حتى أن الناس بالشام يرون لهبها وضوئها في السماء إلى أن
أضاءت لها من شدة النار وتوهجها أعناق الإبل هناك . واستمرت على ذلك الحال
والناس يدعون ويتضرعون إلى الله حتى هدأت في اليوم السادس أو السابع من بدء
خروجها ، فهذه العلامة قد وقعت قبل ما يزيد عن 700 عام من الآن .
إنحسار نهر الفرات
بخلاف
العلامات الصغرى التي تزيد عن 95 علامة يوجد علامات وسطى (لا صغرى ولا
كبرى) كانحسار الفرات عن جبل من ذهب كما جاء في حديث البخاري في كتاب الفتن
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب " ،
وفي رواية أخرى : " عن جبل من ذهب "، وهذه العلامة تسبق العلامات الكبرى
فترة قليلة جداً ، ويكون ذلك قبل ظهور المهدي أو عند ظهوره والآن خلال
أيامنا هذه نسمع أو نقرأ بالصحف عن وجود الذهب في الفرات وهناك برامج
تليفزيونية تتحدث عن هذا ، وسيتقاتل على هذا الذهب كثير من الأمم وقد حذر
النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أخذ شئ من هذا الذهب وقال : حتى يحسر
الفرات عن جبل من ذهب فيقتتلون عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون وينجوا
واحداً ( البخاري ).
حرب آخر الزمان : هرمجدون ؟
ومن
العلامات الملحمية الكبرى في آخر الزمان علامة أشار إليه رسول الله محمد
وتتشابه مع ما أتى ذكره في المعتقد المسيحي اليهودي عن حرب (هرمجدون) مع
الإختلاف في التفاصيل وفي الأطراف المتصارعة.
ذكر في الحديث
على لسان محمد رسول الله : " ستصالحون الروم صلحاً آمنا فتغزون أنتم وهم
عدواً من ورائهم فتسلمون وتغنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من
الروم فيرفع الصليب ويقول غلب الصليب فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله
فيغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون لكم ثمانين غاية مع كل غاية أثنا عشر
ألفا " - حديث يصنفه الفقهاء على أنه صحيح و رواه أحمد وأبو داود وأبن ماجه
وابن حيان عن ذي مخمر رضي الله عنه .
وكما هو واضح من نص
الحديث أن ثمة حربين ستقعان الأولى قد تكون معركة هرمجدون العالمية وهي
التي يعرفها الجميع ويتوقعونها فستكون هدنة تحالفية بين المسلمين وبين
الروم وقد يمثلون شعوب أمريكا وأوروبا الحاليين فيقاتلون عدوا مشتركاً لا
يعلم من هو (ربما الروس واليهود) وستدور هذه المعركة على أرض فلسطين حيث
تلتقي جيوش جرارة ضخمة ، وسيكون النصر حليف المسلمين والروم وربما تكون
حرباً مدمرة نووية تفني معظم الأسلحة الإستراتيجية وتقضي على الحضارة وتعيد
البشرية إلى حياة بدائية، أما الثانية وهي الملاحم وهذه لا يعلم عنها إلا
القليل وستكون بحسب نص الحديث بين المسلمين والروم في أعقاب حرب هرمجدون
والله أعلم.
وقد تدمر في هذه المعركة كل أو أكثر الأسلحة
النووية الفتاكة وسيموت خلق كثير وسيعود الناس والعرب إلى ركوب الخيل
والإبل وحمل السيوف والرماح حيث ستكون الملحمة الكبرى ليست بالطائرات
والصواريخ وأسلحة هذا الزمان المتطورة ، وهذه الحرب أي هرمجدون ستسبق قبل
نزول المسيح عيسى ابن مريم .
الدابة التي تتكلم بلغة البشر
ومن العلامات التي تتحدث عن اقتراب نهاية العالم وتقطع باب التوبة هي الدابة التي ذكرت في القرآن الكريم :
" وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم " (سورة النمل-82 ).
إذ
يخرج مخلوق عجيب من أغرب ما يكون منذ أن خلق الله البشرية إلى يوم القيامة
وهي الدابة ، حيث أن خروجها يعني اختلال في الكون والعادات والسنن
الطبيعية وهي حيوان لم يولد كسائر الحيوانات من أبوين بل خلقت خلقاً كناقة
صالح عليه السلام ، وما يميزها أنها حيوان يكلم الناس بكل لغاتهم المعروفة
تفهمهم ويفهمونها ويقال أنه حيوان عظيم الخلقة له قوائم ودبر وقيل أن طولها
يصل إلى ستون ذراعاً وخلقتها فريدة من نوعها تخرج ومعها عصا موسى وخاتم
سليمان ، وتتميز كذلك بالسرعة فلا يدركها طالب ولا يعجزها هارب ، وقيل أنها
هي نفسها "الجساسة" التي خرجت لتميم الداري حين ارفأت بهم السفينة على
جزيرة الدجال في عهد محمد رسول الله ، فتبقى الدابة ما شاء الله أن تبقى في
الأرض حتى تذهب وتختفي فلا يعلم الناس أين ذهبت .
شروق الشمس من المغرب
بعد
اختفاء الدابة بزمن يصبح الناس في أحد الأيام على شمس تبزغ من جهة الغرب
على غير عادتها منذ أن خلق الكون فيبهت الناس فيؤمنون جميعاً فولكن لا ينفع
نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل كما ذكر في هذه الآية :
" يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " (سورة الأنعام - 158)
حيث
يقصد بـ "آيات ربك" علامات ظهور الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ،
ويستدل على ذلك من الحديث حيث يقول محمد رسول الله :" لا تقوم الساعة حتى
تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها فذاك حين لا ينفع نفسا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل " - رواه البخاري
تفسير علمي لشروق الشمس من مغربها - الباحث كمال غزال
يعتبر
شروق الشمس من الغرب إحدى إهم العلامات الكبرى على نهاية العالم أو من
أشراط "الساعة" في المعتقد الإسلامي ، وإذا ما حاولنا فهم هذه العلامة من
منظور حركة الأجرام السماوية والقوانين الفيزيائية التي تسير عليها ، فإن
هذا يعني أن الأرض سوف تدور حول محورها من اليسار إلى اليمين لأنها إذا
دارت بعكس حركة دورانها الحالية فإن الشمس ستشرق من الغرب بالنسبة للناظر
من الأرض بدلاً من الشرق، ولكن ما الذي سيجعل الأرض تدور بعكس حركة دورانها
؟ من المرجح أن إصطدام جرم سماوي كبير نسبياً بالأرض قادر على عكس حركة
دورانها ، وبالتالي ربما تكون نهاية العالم ناجمة عن هذا الإصطدام
الهائل كما تحدثت عنها فرضية نيبيرو ، ونيبيرو قد يكون مجرد كوكيب (نيزك
عملاق ) قد يصل قطره إلى أكثر من 10 كيلومترات وقادم من حزام الكويكبات بين
كوكبي المشتري والمريخ ، خاصة أن سيناريو اصطدام الأرض بكويكب من هذا
الحجم هو أقصى ما يتخوف منه علوم الفلك في العصر الحديث وهو خطر ليس بعيد
الإحتمال إذا ما نظرنا إلى العدد الهائل من تلك الكويكبات وبعضها عملاق
بحجم يقارب مساحة فرنسا كلها.
وهناك فرضية أخرى تتحدث عن
تباطؤ دوران الأرض حول نفسها حيث لوحظ أن طول اليوم يقصر مع مرور كل سنة
جزءاً ضئيلة جداً من الثانية ويمكن قياسه بالساعة الذرية ، ويتوقع العلماء
أن يستمر محور الأرض بالتباطؤ إلى أن يتوقف ومن ثم يعكس جهة دورانه
وبالتالي تشرق الشمس من الغرب ولكن هذه العملية تحتاج إلى ملايين السنين
ومن الواضح أن الساعة وشيكة كما ذكر في القرآن الكريم فإذن هذه الفرضية
مستبعدة لأنه لا يمكن أن يستغرق حدوثها زمن أطول بكثير من زمن وجود البشر
على هذه الأرض الذي يقدر فقط بآلاف.
2- المعتقد الاسلامي
= الثاني =
نهاية العالم وظهور المهدي المنتظر (ع) الموضوع الاخير للعلامة السيد محمد محمد صادق الصدر (رضوان الله عليه)
[center]
* كلمات صاحب الموضوع الاصلي *
توكلت على الله رب العالمين
من المواضيع المنشورة والخاصة بقضية الامام المهدي ( ع ) حسب رؤى وأطروحات
السيد الشهيد الصدر الثاني (رضوان الله عليه ) من خلال كتابه ( موسوعة
الامام المهدي ) , رأيت ان الأعم الأغلب من هذه المواضيع هي اقتباسات
مباشرة من الموسوعة المهدوية وليس لكاتب أو بالأحرى ناقل الموضوع الا
العنوان , وهذا لا يعني بطبيعة الحال رفض فكرة نشر علوم ومعارف السيد
الشهيد التي وصلت الى الفضاء , ولا ندعو الى اعادة النظر فيها أو اعادة
صياغتها لأننا دون ذلك , ولكني أدعو الى دراسة وتحليل آثار السيد الشهيد (
قدس ) واستخراج كنوزها وبيان مقاصدها حتى يكون فهم هذه العلوم والمعارف في
متناول الجميع .
ومن هذا المنطلق فكرت في كتابة ونشر بحث
متواضع يسلط الضوء على موضوع مهم تناوله السيد الشهيد الصدر ( قدس ) في
موسوعته الخالدة والتي وصفها السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس ) بأنها :
( موسوعة جليلة ) و ( محيطة ) و ( شاملة ) و ( لم يسبق لها نظير في تأريخ
التصنيف الشيعي حول المهدي ( ع ) ) الى غير ذلك من الصفات .
ولكن هذا الموضوع الذي سوف أتناوله لا يوجد
في الموسوعة كموضوع مستقل تحت عنوان محدد , بل كإشارات مبثوثة في ثنايا
الموسوعة المهدوية , وذلك لما رأيت من التشويش والتشوهات التي شابت فهم
البعض لهذا الموضوع والتأويلات التي ذهبوا بها كل مذهب , بحيث طبقوا مصداق
هذا الموضوع في غير موارده . وتبعاً لذلك قاموا بتأويل الكثير من المعاني
والمفاهيم الخاصة بتاريخ وحركة الامام المهدي ( عج ) .
ويمكن تلخيص فحوى البحث من خلال السؤال التالي :
(( هل ان الامام المهدي ( عج ) يتخذ الشخصية
الثانوية أو الاسم المستعار في حال الغيبة فقط أم إنه يحتفظ بها لفترة
معينة في حال الظهور ؟ .))
في الحقيقة يستند البحث برمته على فهم
الاطروحة التي انفرد ببيانها وصياغتها بشكل متكامل السيد الشهيد الصدر
الثاني ( قدس ) وهي : ( اطروحة خفاء العنوان ) , وهي وكما ذكر ( قدس) اسلوب
من اساليب غيبة الامام المهدي ( عج ) .
يقول السيد الشهيد في تعريف خفاء العنوان " ونريد
به أن الناس يرون الإمام المهدي (عج ) بشخصه بدون أن يكونوا عارفين أو
ملتفتين إلى حقيقته . " الموسوعة ج2 ص33 , أي ان الامام يمارس دوره ونشاطه
في المجتمع ولكن بشخصية ثانية واسم مستعار , وبذلك يستطيع ممارسة بعض
الاعمال التي يتعذر عليه ممارستها طبقاً للأطروحة الثانية وهي اطروحة (
خفاء الشخص ) وهذه الاعمال تقع ضمن التكليف الاسلامي للإمام المهدي ( عج )
في زمن الغيبة الكبرى وقد بينها السيد الشهيد في موسوعته , ( راجع الموسوعة
ج2 ص 45 وما بعدها ) .
وهذا الفهم واضح ويمكن تصوره والبرهان عليه
بسهولة في الحقبة الاولى من تاريخ الغيبة الكبرى , ولكن الامر يبدأ
بالتعقيد كلما حاولنا فهم تسلسل الاحداث القريبة من عصر الظهور أو بدايات
الظهور المقدس وسوف تصادفنا مراحل من حركة الامام تكون غامضة ولا تساعدنا
الروايات الواردة عن المعصومين ( ع ) في فك رموزها وايجاد الحلقات المفقودة
فيها وقد عبر السيد الشهيد الصدر ( قدس ) عن هذه الحلقات المفقودة بـ (
الفجوات التاريخية ) وبالأخص تلك الفترة التي تسبق اعلان الظهور ( التي
يمكن أن نصطلح عليها بالفترة الحرجة من تاريخ الامام المهدي ( عج ) ) ,
وأعتقد ان السبب في ذلك هو ان دور الامام المهدي ( عج ) في المجتمع سوف
يبدأ بالبروز والوضوح والتأثير لأنه سوف يباشر بنفسه بعض المهام التي لم
يكن يباشرها من قبل , حيث ان الامامخلال
غيبته الكبرى يقوم بالكثير من الأعمال و المهام لهداية الامة واصلاح
المجتمع والمساهمة في انجاح التخطيط الالهي كما لا يخفى (على المتتبع )
ماهية الدور التكويني الذي يقوم به الامام المذخور ويكفي في وصف هذا الدور
بأن ( الوجود هو من الله ولكنه قائم بالامام المهدي ) , أو كما عبر هو (
عج ) : وأني لأمان لأهل الأرض كما
أن النجوم أمان لأهل السماء . أو كما عبر السيد الشهيد ( قدس ) : " على
أننا نحتمل في كل عمل خيري عام أو سنة اجتماعية حسنة أو فكرة إسلامية جديدة
، أو نحو ذلك من الأمور ... نحتمل أن يكون وراءها أصبع مخلص متحرك من قبل
الإمام المهدي (ع) . وأنه هو الذي زرع بذرته الأولى في صدر أو عمل أحد
الأشخاص أو الجماعات ." الموسوعة ج2 ص50
ومن الملاحظ هنا ان السيد الشهيد أشار الى
ان الدور الاصلاحي الذي يمارسه الامام في المجتمع يكون من خلال أحد
الاشخاص أو الجماعات , ويمكن توضيح هذه النقطة بأن الامام المهدي ( عج ) في
زمن الغيبة الكبرى ( وكانت في زمن الغيبة الصغرى بصورة أكبر وأعمق ) يقوم
بتكليف عدد من الاشخاص يشكلون خاصة الامام وقادته وأدواته في المجتمع يقوم
بتكليفهم بعدد من المهام الضرورية لتحقيق المصالح الاسلامية العليا , ومن
خلال متابعة النصوص في الموسوعة وغيرها وجدت ان هؤلاء الخاصة يعرفون بحقيقة
الامام المهدي في زمن غيبته واتخاذه شخصية واسم مستعار , حيث ان السيد
يعبر عن مفهوم الغيبة أو المعنى الاساسي لها بأنه " هو الجهل المطلق بحقيقة شخص المهدي (ع) ." الموسوعة ج3 ص136
حيث ان هذا المعنى ينطبق على المجتمع
بصورة اجماليه , ولكن هناك فئة محدودة ونادرة وتمتلك مواصفات ومؤهلات خاصة
يمثلون الادوات التي يتحرك الامام من خلالها ويؤثر تأثيره في المجتمع , وقد
أشار السيد الشهيد الى هذه الحقيقة ولكنه لم يشأ التعمق والتفصيل بها (
لسبب هو يعرفه قدس سره ) , ومن تلك الاشارات قوله ( قدس ) " كونه
( أي الامام المهدي ) على ارتباط مُباشر بالناس خلال غيبته ، يراهم ويرونه
، ويتفاعل معهم ويتفاعلون معه ، الا أنّهم لا يعرفونه بحقيقته إلا نادراً
جدّاً ، وذلك طبقاً لـ ( أُطروحة خفاء العنوان ) التي اخترناها وبرهنّا
عليها في تاريخ الغيبة الكبرى ." الموسوعة ج3 ص 40 .
وقال في موضع آخر : " إن
المهدي (ع) قد يجتمع بالخاصة من المؤمنين به، وهو ما سبق أن تصورناه بصفته
أطروحة محتملة، وتدل عليه بعض الأخبار أيضاً، على ما سنسمع، وباجتماعه
معهم، بالشكل الذي يعرفوه بحقيقته، ينفتح لهم المجال الواسع لتلقي
التعليمات منه (ع)، والخوض في مناقشة المسائل الاجتماعية والاسلامية على
صعيد واسع وواعٍ. ثم هم يطبقونه في حياتهم العملية، من دون أن ينقلوا شيئا
من اخبار المقابلة والمناقشة. ولعل عدداً ممن برزوا في العالم الاسلامي في
العلم والعمل كانوا اشخاصاً من هذا القبيل . " (الموسوعة ج2 ص 108) .
وذكر أيضاً في مورد آخر من الموسوعة : "
القسم الثاني : ممّن يبايع الإمام المهدي (ع) في موقفه الأوّل : أصحابه
الخاصّون الذين كانوا يعرفونه على حقيقته في غيبته الكبرى ، فإنّنا سبق في
تاريخ الغيبة الكبرى أن قلنا : إنّ هناك نفر قليل من البشرية في كل جيل ،
يمكن أن يكون مطلعاً على حقيقة المهدي (ع) ومكانه . وهناك من الروايات ما
يدل على وجود مثل هؤلاء الأفراد ." الموسوعة ج3 ص 248 .
فهنا يبين السيد بأن من يعرفونه بحقيقته
في زمن الغيبة وتحت خفاء العنوان هم فئة نادرة جداً , وقد عبرت عنهم بعض
الاحاديث بـ ( الثلاثين ) ( وما بالثلاثين من وحشة ) وواضح جداً ان نسبة
الثلاثين الى سكان العالم هو أندر من النادر . وان هذا العدد من أنصار
وأعوان الامام المهدي موجودين في كل عصر , ولكن وكما قلنا فأن الامام في
نهاية عصر الغيبة وبدايات ارهاصات الظهور يقوم بنفسه بممارسة بعض الادوار
والنشاط القيادي والاصلاحي في المجتمع , وهذا يستلزم بطبيعة الحال تحرك
الامام بصورة علنية في المجتمع وهو ما نفهمه من دلالات الروايات وخاصة
المتعلقة بحركة الامام المهدي ( عج ) ضد الحركة المنحرفة للسفياني ومطاردة
الاخير له , ومما لا يخفى ان السفياني او الحكومات الظالمة التي يعارضها
الامام ويكشف زيفها وانحرافها لا تطارد شبحاً بل تطارد شخص له هويته
ومكانته وامتداده في المجتمع . وهذا بالتحديد مصدر التشويش والخلط بين
الغيبة والظهور الذي وقع به كثير من الباحثين . ومنهم الشيخ عباس الزيدي في
كتابه ( الصدر ممهداً ) حيث نرى هذا التخبط واضحاً من خلال وصفه بان
الامام المهدي سوف يظهر بشخصيته الثانوية حيث يقول هناك " ومما
يدل على ان الامام لن يظهر بصفته الحقيقية : انه عندما يدخل العراق فانه
سوف يقتل ويقتل حتى يقال انه ليس من آل محمد ." الصدر ممهداً ص229
ولسوء حظ الشيخ انه وبعد سطرين فقط من هذا
التصريح قد أعترض على السيد الشهيد الصدر ( قدس ) بعد أن ذكر كلام للسيد
حول التشكيك بمهدوية المهدي عند ظهوره فقال " ويمكن ان نعترض على كلام
الصدر ان نقول: ان قول هؤلاء ( ليس هذا من آل محمد ) ليس تشكيكاً في
مهدويته ، فهو بعدُ لم يعلن عن شخصيته الحقيقية، بل قولهم هذا يمكن ان نفهم
منه انهم يشككون في انتسابه لآل محمد، بعنوان انه سيد وليس بعنوان انه
مهدي. وهذا ما نستنتجه من كلام الصدر نفسه وفق أطروحة خفاء العنوان ."
الصدر ممهداً ص229 .
ومما تجدر الاشارة اليه انه توجد لدينا ملاحظات كثيرة على هذا الكتاب والتصريحات الواردة فيه ليس هذا محل ذكرها .
ولأجل تحديد المفاهيم وتمييز التصورات ومحاولة
فهم حركة الامام خلال هذه الفترة التي اصطلحنا عليها بالفترة الحرجة قمنا
بوضع (مصطلحين) يساعد فهمنا لهما على تجاوز الغموض والتخبط الذي وقع فيه
الكثيرون . وهذان المصطلحان هما :
الظهور الحركي
: ونعني به الدور الذي يمارسه الامام ( عج ) في المجتمع ولكن بشخصيته
الثانوية واسمه المستعار , وهذا الدور هو معلن بطبيعة الحال كما قلنا ان
الحكومات الظالمة لا تطارد شبحاً , أو كما يصف السيد الشهيد هذا التحرك
للامام بانه تحرك وفق العنوان المعلن , ولكن الحكومات الظالمة المنحرفة
وكذلك المجتمع على حد سواء لا يعرفون ان هذا الشخص هو الامام كما عبر السيد
الشهيد : " فمن الممكن ان السفياني يعرف تلك ( الشخصية الثانوية ) أعني ما
اتخذه المهدي من عنوان مستعار في ذلك العصر. ويتابع اخباره بتلك الصفة،
ويرسل جيشا لقتله بتلك الصفة أيضا. الا ان السفياني لن يشعر انه قاصد لقتل
المهدي (ع) نفسه, ولن يشعر الناس بذلك أيضا لأنه والناس انما يعرفونه
بشخصيته الثانوية دون الحقيقية ." الموسوعة ج 3 ص169 .
اذن فهناك عنوان معلن لا يمت الى شخصية
الامام الحقيقية بصلة , أقصد ان الناس تجهل حقيقة الامام ولن تعرف ان هذا
المصلح هو الامام المهدي , وهذا معنى الغيبة حسب ( أطروحة خفاء العنوان )
وعليه يكون هذا الدور للإمام في نهاية عصر الغيبة الكبرى .
الظهور الاصطلاحي
: وهو المعنى المركوز في الذهن عن معنى ظهور الامام المهدي وارتفاع غيبته و
قد عرفه السيد الشهيد بقوله " بل يكفي في الظهور : أن يُبدِّل المهدي (ع)
شخصيَّته الثانوية بشخصيّته الحقيقية ، ويُعرِّف الناس بصراحة بصفته
الواقعية ، ويُقيم الحجّة على ذلك ." الموسوعة ج3 ص196 , وهذا طبعاً
معنى الظهور وفقاً لأطروحة ( خفاء العنوان ) والتي قلنا انها أساس بحثنا
هذا .
وهنا تبرز ملاحظة مهمة سنتناولها لاحقاً وهي ان الامام هو من يكشف عن نفسه .
ومن هنا يمكن ان نقول ان ( الظهور الحركي ) هو غيبة وفق الاصطلاح العقائدي والتاريخي لمعنى الغيبة .
وعلى هذا الاساس يتبين لنا بوضوح مقدار
الخلط والاشتباه الذي وقع فيه الزيدي ( كما الكثيرين ) بين معنى الظهور
الحركي ( غيبة ) ومعنى الظهور الاصطلاحي ( ظهور ) في هذه الفترة الحرجة حيث
إنهم تصوروا انها بداية الظهور بينما هي في الحقيقة تمثل نهاية عصر الغيبة
.
إن هذه الفترة هي غيبة باعتبار جهل الناس
بهوية الامام الحقيقية وظهور باعتبار حركة الامام العلنية في المجتمع باسم
مستعار الى درجة يجمع فيها الانصار ويزعج السلطات الحاكمة فتقوم بمطاردته
حيث ان السلطات الحاكمة لا تطارد شبحاً بل تطارد شخص له اسم وصفة معينة .
اذن فان هذه الشخصية كقائد يمارس دوره الاصلاحي ظاهر ام غائب ؟.. بالطبع هو ظاهر .
ولكنه كـ ( الامام المهدي محمد ابن الحسن ( ع ) ) ظاهر ام غائب ؟ .. غائب حسب الاصطلاح والتعريف العقائدي والتاريخي للغيبة .
وعليه فإننا عندما نقول ان الامام المهدي
يظهر كـ ( مهدي ) بالعنوان الثانوي فهذا خطأ فادح وخلط جسيم بين الظهور
الحركي والظهور الاصطلاحي .
وكما وضحنا قبل قليل فأن هناك مجموعة من المخلصين الممحصين يعرفون الامام بحقيقته في فترة الظهور الحركي , ولكن اتصال
مجموعة من الذين يمتلكون المؤهلات الفريدة والعالية جداً بالإمام ( عج )
لا يعني انتفاء الغيبة و حسب اطروحة خفاء العنوان , لان انتفاء الغيبة أو
الظهور يعني علانية حركة الامام بصفته الحقيقية .
وهؤلاء الذين يمثلون أدوات عمل الامام في
هذه المرحلة ورغم اطلاعهم على حقيقة الامام الا انهم يحرم عليهم تسميته أو
الاشارة اليه كما يتبين لنا من خلال إشارات كثير للسيد الشهيد وأيضاً من
خلال الاحاديث الكثيرة التي تحرم ذكر اسم الامام المهدي ( عج ) , ولكن يا
ترى لماذا يحرم الائمة المعصومون علينا تسمية الامام المهدي ( عج ) وقد
دلنا على اسمه الرسول الكريم محمد ( ص ) بقوله ( اسمه اسمي ) , وهل يا ترى
يصعب على المتتبع لقضية الامام من أي فريق كان ( المؤالف والمخالف والمناصر
والمعادي ) معرفة اسمه روحي فداه , وهل يا ترى يوجد من المتشرعين ومن رجال
الدين من يفتي بحرمة ذكر اسم المهدي , فما معنى هذه الاحاديث ؟.
أقول ( وحسب فهمي القاصر) أن هذه الحرمة
هي تحديداً تكليف هذه الثلة المخلصة التي تعرف حقيقة الامام ( عج ) في
الفترة الحرجة التي نوهنا عنها , حيث يحرم عليهم كشف حقيقة الامام للناس
والمجتمع بأن يكشفوا صفته الواقعية ، وهي أن يكشفوا ويقولوا إن ( سعيد الخياط مثلاً ) هو الإمام المهدي (ع) حتى لا تبوء حركته بالفشل .
يقول السيد الشهيد في أحد اللقاءات : " إن كان وزعمنا
ان واحد صار عنده علم أو اطمئنان بقرب الظهور ينبغي أن يسكت، لانه توجد
روايات تقول (أذعتموه فأجَّله الله) أو (أخَّرَهُ الله) ونحن لا نريد أن
الله تعالى يؤخر الظهور، نحن مستعجلون بمعنى من المعاني على الظهور،
لتمتليء الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، نحن مفتقرون إلى ظهور
الإمام كافتقار الصبي إلى محالب امه أو اكثر من ذلك في الحقيقة. فاذا أذعنا
شيئاً من هذا القبيل وبلغنا عنه الناس فسوف يكون هناك رد فعل، الله تعالى
يغضب علينا، وإذا غضب علينا يؤجل الظهور حتى لو كنا نحتاجه، لأن الأمر ليس
بيدنا وانما بيد رب العالمين (أذعتموه فأجَّله الله) وهذا الشيء كأنما قد
حدث في عهد المعصومين أو في عصر الغيبة الصغرى، والآن أيضا في أي وقت ينطبق
انه متى اُذيع ومتى اُشيع عنه فانه يتأجل، فخير لنا أن نسكت حتى لا يتأجل.
إذا كان عندنا شيء من العلم أو الظن أو الاطمئنان بقرب الظهور، فملعون
ملعون من يبلغ به. لا يجوز ذلك اطلاقا. على اننا ليس عندنا علم ولا إطمئنان
بشيء، لأننا لا نعرف الأسباب، ولا نعرف مسبب الأسباب أن ارادته أي شيء،
فخير لنا كما يقول المثل العامي (يمد رجليه على قدر بساطه) لا يَدَّعي ما
ليس له. انه انا أدري، وانه بلغني كذا شيء من هذا القبيل . انتهى كلام
السيد الشهيد ( قدس ) .
فنحن على هذا الاساس لن نعرف بأي شكل من
الاشكال ان هذا القائد الذي يريد ارجاع الامة الى جادة الصواب بعد انتشار
الضلالة والعمى ويريد ان يملا الارض بالعدل والهداية بعد انتشار الظلم
والفساد لن نعرف ان هذا القائد هو الامام المهدي حتى يعلن هو عن نفسه لان
الامام ملتزم بطبيعة الحال بعوامل الحفاظ على الغيبة وان المجموعة المحدودة
من خواصه يحرم عليهم تسميته أو الاشارة اليه من قريب أو بعيد بانه هو هذا
الامام الموعود , فما حالنا نحن وما هو موقعنا من هذه المنظومة المتعالية ,
فكيف اذن نعرف ان هذا القائد هو المهدي وكيف يجوز لنا الاشارة اليه , وهذا
يعني استحالة معرفتنا بشخصية الامام الحقيقية حتى في حالة قيادته للإصلاح
ومباشرة اعمال هداية المجتمع في نهاية عصر الغيبة بنفسه .
ومن هذا نعرف انه ليس هناك ظهور للإمام (
بالمعنى الاصطلاحي للظهور ) بالشخصية الثانوية , وعليه فان أي شخص يشير الى
قائد اسلامي معين بانه هو الامام أو أن صفاته تنطبق على الامام فانه :
أولاً : إما حقيقة إنه يعرف بان هذا ( القائد )
هو الامام المهدي, ويكشف ذلك للناس ويدلهم عليه , وهذا كما عرفنا مخالف
للشريعة الاسلامية بحرمة الاشارة الى حقيقة الامام في مرحلة تحركه في
المجتمع بالشخصية الثانوية والاسم المستعار , وهو مخالف أيضاً لمنهج الامام
نفسه بالحفاظ على الظروف والأسباب الموضوعية لغيبته حيث انه ( يحرم على
الامام ) نقض شروط غيبته , وهذه أمور لا يمكن تصور صدورها من الخاصة
المخلصين الممحصين , لذلك لا مجال من تكذيب هذا المدعي .
ثانياً : أو انه لا يعرف ان هذا القائد هو
الامام الموعود , فنقول له اتق الله في عباد الله , ولا تغضب ربك وامامك
والسيد الصدر وتأخر الظهور بهذه الاشارات الزائفة .
يبقى هناك اعتراضان قد يخطرا في الذهن ويسببا مشكلة تواجهنا في هذا الفهم , ويمكن بسطهما بالنحو التالي :
v الاعتراض الأول :
قد يقول قائل إنه ورد في الموسوعة قول
السيد الشهيد الصدر الثاني ( قدس) إن الأحاديث الواردة عن المعصومين (ع) في
حرمة تسمية الامام باسمه تخص الغيبة الصغرى , كما ذكر ذلك السيد الشهيد
بشكل صريح حيث قال : " وقد عرفنا في التاريخ السابق أن حرمة التسمية خاصة بعصر الغيبة الصغرى ." الموسوعة ج 2 ص 10 .
ووجه الحرمة هو من أجل عدم تمكن السلطة الحاكمة من مطاردة الامام ( عج ) . يقول السيد الشهيد : " ولكن
السلطة القائمة ، إذ تريد أن تطارد المهدي المنتظر في شخص المولود الجديد ،
لا بد لها من امرين : أولاً: ان تعرف ولادته. أذ مع الغفلة عنها، لا
يمكنها بطبيعة الحال ان تجرد المطاردة الفعلية الحقيقية ضد المولود .
وثانياً : ان تعرف شخصه بإسمه . إذ بدونه لا يمكن ان تحارب فيه المهدي
المنتظر . " الموسوعة ج1 ص277 . حيث ان الاسم (يكسب الفرد شخصيته
القانونية والاجتماعية ) .
وفي مقام الاجابة نقول ان هذا صحيح فقد ذكر
السيد الشهيد الصدر ( قدس ) ذلك , ولكن في نفس الوقت أعطى ( قدس ) قواعد
عامة , وهذه القواعد تنطبق على الغيبة الكبرى كانطباقها على الغيبة الصغرى ,
وهي كثيرة ولكن بعضها غير مذكور بنحو القاعدة أو الأطروحة ولكن الذي يقرأ
موسوعة الامام المهدي ( عج ) بتمعن وتركيز سوف يستطيع ادراك أسلوب أو
منهجية السيد الشهيد في طرح المفاهيم الكلية أو الخطوط العامة وكذلك مواطن
التصريح وأماكن التلميح ومواضع الرمزية في كلمات السيد الشهيد , والدليل
على ذلك إنه أوكل الكثير من المعاني الى فطنة القارئ واعتمد على ذكاء
القارئ أيضاً في كشف مقاصده .
ومن ذلك اشارات السيد الشهيد الى اساليب
الامام في الحفاظ على غيبته الكبرى , فكما هو معلوم فإن السيد الشهيد قد
رجح ( أطروحة خفاء العنوان ) في كيفية غيبة الامام المهدي ( عج ) , وقد
ذكر أساليب كثيرة يقوم بها الامام لتحقيق عوامل نجاح غيبة الامام بهذا
الاسلوب , منها " تجنب كل ما من شأنه إلفات النظر إلى حقيقته، كالإشارة إلى
عنوانه صراحة أو كناية، أو إقامته لمعجزة كبيرة واضحة ملفتة للنظر، كما هو
واضح من عدد من روايات المقابلات. بل قد يتجنب الجواب لو سئل عن اسمه
ومكانه، ولا يجيب بما يدل على حقيقته ." الموسوعة ج 2 ص 115 .
فاذا اعتبرنا هذه مقدمة أولى , فنذكر كمقدمة
ثانية ما برهنا عليه سابقاً من أن هناك عدد قليل من الاشخاص الذين يتمتعون
بمؤهلات معينة ويصفهم السيد الشهيد بانهم ( الخاصة المخلصين الموثوقين )
وهؤلاء يعرفون الامام بشخصيته الحقيقية وصفته الواقعية واسمه الصريح , وقد
قلنا أن السيد أشار اشارات عابرة الى هذا المعنى ولم يشأ التركيز عليه, ومن
هذه الاشارات ( اضافة الى ما ذكرنا سابقاً ) قول السيد الشهيد الصدر ( قدس
) عند تناوله طرق أو أساليب المقابلات مع الامام : " فإن المقابلة قد
تقتضي، بحسب المصلحة، أن يكشف المهدي عن حقيقته في أثنائها . وقد يكون
الرائي عارفاً له من مقابلة سابقة، كما قد يحصل للموثوقين الخاصين ."
الموسوعة ج 2 ص 113 .