+
----
-
موقف المأمومين من الإمام في الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام البعلي رحمه الله تعالى:
فصل
يُسن وقوف الجماعة والمرأة خلفه، والواحد عن يمينه وعن جانبيه جائز، وعن يسرته أو فذ مبطل، ومن لم يقف معه إلا كافر أو محدث يعلمهم أو أنثى أو صبي فهو فذ، ويقوم إمام العراة والمرأة بالنساء وسطًا، ويقدم الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة، كتقديمهم إلى الإمام في الجنائز وإلى القبلة في القبر.
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يتعلق هذا الفصل بموقف المأمومين من الإمام، فالأصل أن الجماعة يتقدمهم الإمام، يكون الإمام صفًّا وحده وهم صف خلفه أو صفوف، واحدًا خلف الآخر، هكذا الموقف، المعتاد أن الإمام يتقدم المأمومين وذلك لمعنى كونه إمامًا، يعني: قدوة يأتمون به ويتابعونه.
في الحديث: إنما جُعل الإمام ليؤتمّ به فإذا كان قُدامهم فإنهم يتبعونه ويتحركون بعد حركته، هكذا جاء في الأحاديث، إذا لم يكن معه إلا امرأة واحدة فإن المرأة تقف خلفه، ولا تقف إلى جنبه وذلك موقف النساء، ولو كان مَحرمًا لها أو زوجًا.
ففي حديث أنس: أن جدته مُليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعته، فأكل ثم قال: قوموا لأصلي بكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث، فنضحته بالماء، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصففتُ أنا واليتيم وراءه، والعجوز خلفنا .
قامت المرأة ولو كانوا أولادها يعني هي جدتهما قامت صفًّا خلفهم وحدها لم يكن معها أحد؛ لأن المرأة لا تصف الرجال ولو كانوا محارم لها فتكون صفًّا وحدها، إذا لم يكن مع الإمام إلا فرد فإنه يصف عن يمينه، إذا كانوا اثنين يكون المأموم عن يمين الإمام.
ذكرنا حديث ابن عباس قال: بتُّ عند خالتي ميمونة، فلما كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوضأ ثم قام يصلي، فجئت فصنعت مثلما صنع، وقمت عن يساره فأدارني عن يمينه هكذا جاء أنه أراده عن يمينه.
وذكرنا -أيضًا- حديث جابر وجبار الذي في آخر صحيح مسلم ذكر أنه لما توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- لصلاة العصر كبّر وحده ثم جاء جابر فصف عن يساره فجاء له عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فصف عن يساره فدفعهما خلفه، فأفاد أن الواحد يصير عن يمين الإمام وأن الاثنين يتقدمهما الإمام.
وكذا الثلاثة وأكثر يجوز أن يقوموا عن جانبيه، أن يتوسط الإمام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ثبت ذلك عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود وصف بينهما فكان هو المتوسط، وذكر أن ذلك من فعل.. أو فعله النبي -صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن يكون الإمام في الوسط.
ولو امتلأ المسجد فإنه يجوز أن يصفوا عن جانبي الإمام إذا كان الإمام في وسط الصف فإنهم يصفون عن يمينه إلى أن يصلوا إلى نهاية الصف وعن يساره إلى نهاية الصف؛ وذلك لأنه يكون إمامًا ولو كان في الوسط، وإن كان الأصل أنه يتقدمهم ويكون أمامهم، ولكن قد يكون المكان ضيقًا فيقومون عن جانبيه.
أما إذا صف عن يساره فقط فإن صلاته باطلة حتى ولو كانوا كثيرا، لو كانوا واحدا عن يسار الإمام أو اثنين أو عشرة ويمينه خال ويساره فيه واحد أو أكثر فهؤلاء لا صلاة لهم.
النبي -صلى الله عليه وسلم- أخر أولئك الذين صفوا عن يساره كابن عباس وجابر فدل ذلك على أنه لا يصح أن يكون عن يساره مع خلو يمينه، وكذلك إذا صلى خلفه وحده أو صلى خلف الصف منفردًا فإنه أيضًا تبطل صلاته.
رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد، وفي الحديث: لا صلاة لمنفرد خلف الصف يعني: إذا كان الصف كاملًا وجاء إنسان فلا يصف وحده، يقع هذا كثيرًا، ويقع الذي لا يجد مكانًا في حرج؛ فلذلك يكثر البحث والسؤال عن الإنسان إذا جاء وقد كمل الصف ماذا يفعل؟
هناك بعض العلماء أجازوا له أن يصلي وحده إذا خاف أن تفوته الجماعة، ولكن بعد أن يبذل الأسباب، في حديث وإن كان فيه ضعف أنه عليه السلام قال لذلك الرجل: هلا التمستَ فُرجة أو اجتررت رجلًا يعني: إذا جاء والصف قد كمل فيلتمس فرجة، وذلك بأن يقرّب هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، وهذا إلى هذا إذا كان بينهم شيء من السعة إلى أن يتسع له فرجة فيدخل فيها، فيكون قد صف في وسط الصف، هذا معنى (هلا التمست فرجة)؛ لأنه قد يوجد بين المصلين شيء من الفرج التي تكون بين اثنين فيقرب بعضهم إلى بعض لعله أن يكون له فرجة.
وأما الاجترار فرخصوا فيه وبعضهم منعه، وهو أن يجترّ إنسانًا فقالوا: لا يجتره بقوة؛ لأن في ذلك تصرفًا في الغير، ولكن يكلمه كلامًا خفيًّا أو يتنحنح له حتى يتأخر معه، ففي حديث أنه قال: فما أعظم أجر المجتذَب الذي يُجتذب ويتأخر له أجر، حيث إنه أحسن إلى ذلك الفذ وصلى إلى جانبه، فما أعظم أجر المجتذب!
ولكن قالوا: لا يجتذبه بقوة فإن هذا تصرف في غيره، وإنما ينبهه بكلمة خفية أو بنحنحة أو ما أشبه ذلك، والذين منعوا الاجتذاب والاجترار قالوا: إنك إذا اجتذبته بقي في ذلك الصف فرجة فتكون قطعتَ هذا الصف. .
والجواب أن هذه الفرجة سيسدونها؛ لأنه يقرب بعضهم إلى بعض حتى يسدوا تلك الفرجة فلا يكون هناك محذور، ولا تكون قطعتَ صفًّا، بل هذا الذي تأخر معك له أجر حيث إنه وصل صفًّا؛ جاء في حديث من وصل صفًّا وصله الله يعني: أنك كنت وحدك فإذا قام معك فأنتما صف، فمن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطعه قطعه الله.
إذا لم يتيسّر أن يتأخر معك أحد وصففت وحدك وركعت معهم وجاءك آخر قبل أن تسجد صحت صلاتك، يعني: أنكم صرتم صفًّا قبل السجود ولو فاته الركوع، يعني: ما أدرك هذه الركعة وأنت أدركت الركعة، ولكن حصل أنك وجدت مَن صُف معك قبل السجود.
يمكن أن يستدل على ذلك بقصة أبي بكرة لما جاء والنبي -صلى الله عليه وسلم- راكعًا يقول: "فركعت قبل الصف ومشيت إلى الصف" يمكن أنه ما وصل إلا بعدما رفعوا، بعدما قاموا وصلهم بينه وبينهم فرجة، فأقره النبي -صلى الله عليه وسلم ولكنه قال: زادك الله حرصًا ولا تعد .
فأفاد بأنه أجزأته صلاته ولو أن ركوعه قبل أن يصل الصف، يمكن أنه مشى وهو راكع، ويمكن أنه مشى بعدما قام، فدل على أنه إذا صف معه أحد بعد الرفع وقبل السجود أصبح صفًّا ولا يصبح فذًّا، إذا لم يجد من يقوم معه وكانوا متراصين ولم يتيسر أن أحدًا يتأخر معه فله أن يخرق الصف ويقوم عن يمين الإمام؛ وذلك لأن الوقوف عن يمين الإمام جائز، لأنه يعتبر كأنه غير فذ إذا وقف معه أحد ولو الإمام.
ولا يقوم عن يساره، ولو كان بينه وبين الإمام حديدة المكبر يعني بينه وبين الإمام نحو شبر أو نحو ذلك، كثيرًا ما يجعل الأئمة المكبر ولاقطته عن يمينه والأولى أن يجعله عن يساره إذا خيف من مثل هذه الحالة.
قد تكون الصفوف كثيرة ولا يقدر أن يخرق هذه الصفوف، وتكون كلها متراصة، وليس فيها فرجة ويخشى أن تفوته صلاة الجماعة إذا جاء ولم يبق إلا ركعة، ولم يتيسر أحد أن يقوم معه، ولا أن يجد فرجة بينهم، ففي هذه الحال لو صلى منفردًا أجزأته صلاته؛ لأنه بذل الجهد، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .
فهذا لم يستطع أن يصف في الصفوف، ولو فاتته الصلاة فاته خير كثير، فاته سبع وعشرون درجة، ربما يصلي وحده فنقول: إن عليه والحال هذه أن يصلي وحده وتجزئه صلاته؛ لأنه فعل ما يقدر عليه.
يقول: ( ومن لم يقف معه إلا كافر فإنه فذ )، إذا وقف معه خلف الإمام كافر، هذا الكافر لا صلاة له فيعتبر كأنه صلى وحده خلف الصف، وصلاة المنفرد خلف الصف باطلة كما سمعنا، أو وقف معه إنسان محدث وهو يعلم أنه محدث، جاء وقال: صف معي فقال: أنا ما توضأت، فقال: صف معي ولو كنت محدثًا، نقول: إنه لا يزال فذًّا لا صلاة له؛ وذلك لأن صلاة المحدث باطلة غير معتبرة، فكذلك الذي صَفَّهُ تعتبر أيضًا صلاته باطلة.
أما إذا كان لا يعلم، لا تعلم أنه محدث جاء وصف معك ولا تعلم فإن صلاتك مجزئة؛ ذلك لأنك اعتمدت أنك في صف، وكذلك إذا لم تجد من يصف معك خلف الصف إلا امرأة، فإنه لا يصح أن تصف المرأة مع الرجال، فيعتبر فذًّا لا صلاة له، ويدخل في قوله: لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف .
( أو لم يصف معه إلا صبي دون البلوغ ) يعني: لم يحتلم ولم يبلغ، فإنه يسمى فذًّا ليس بمصلٍّ، أما إذا كان قد قارب البلوغ، يعني: قد بلغ إما بالإنبات وإما بالاحتلام، ولو كان ابن عشر أو اثنتي عشرة فإنها تصح مصافته وإلا فإنه منفرد.
( يقوم إمام العراة وسطهم) ، إذا كان كلهم عراة -نسأل الله السلامة-، لو قدر أنهم ثلاثة أو خمسة كلهم عراة، أمامهم مثلهم عار، يعني حتى منكشف السوءتين، فأنه يصلي في وسطهم.
وذكر بعضهم أنهم يصلون جلوسا؛ إذ يكون ذلك أستر لعوراتهم، ولا يتقدمهم الإمام؛ لأنه إذا تقدمهم بدت لهم عورته، بل يصير وسطهم، هكذا اختار كثير، ورأى بعض العلماء أنهم معذورون، وقال: إذا أجزنا صلاتهم وهم عراة، فلماذا لا نأمرهم بالقيام؟ القيام ركن من أركان الصلاة وهم معذرون، فيصلون قياما ولو بدت عوراتهم للناظرين؛ لأنهم معذرون، وإذا كان كذلك أيضا، فلا مانع من تقدم الإمام أن يصلي بهم أمامهم؛ وذلك لأن اسمه الإمام، ولأن الأصل أن الإمام يتقدم المأمومين. العمل على أنهم يصفون صفا واحدا وإمامهم في الوسط.
المرأة في النساء أيضا تقوم في صفهن، تكون في وسطهن، وقالوا: لا تتقدم؛ لأن تقدمها يبين لهن حجم أعضائها، ويتبين لهن عند ركوعها وسجودها شيء من بدنها، فتكون وسطهن، هكذا اختاروا.
ورأي أيضا بعض العلماء أنها تتقدم كما يتقدم الرجل الرجال، وذلك لأن هذا هو المعتاد، روي عن عائشة أنها صفت في وسط النساء، فاعتبروا ذلك دليلا، ولعله من باب الاجتهاد.
"إذا كانوا جماعة" . إذا كانوا مثلا جماعة في بيت، أو مسافرون وفيهم رجال وصبيان ونساء وخناثى، فكيف نرتبهم؟
يرتبهم الإمام، فيقول: الرجال البالغون يكونون في الصف الأول الذي يلي الإمام، ثم بعده الصبيان الذين دون البلوغ يصفون في الصف الثاني، ثم بعده الخناثى إذا كانوا مجموعة يصفون في الصف الثالث، ثم النساء يكن هن المتأخرات، وإذا لم يكن هناك خناثى فيلي الإمام الرجال، ثم بعدهم الصبيان، ثم بعدهم النساء، هكذا قالوا.
ولكن لا مانع من أن يصف الصبيان في وسط الصف الأول، إذا كانوا مميزين وتقدموا، إلا أنهم يكونون في أطراف الصف؛ لأنه جاء في الحديث: ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم فيفضل أن الرجال البالغين أهل الأحلام والنهى هم الذين يقفون خلف الإمام، الصبيان يكونون في وسط الصف الأول، ولكن في أطرافه من الجانبين، وإن جرى ترتيبهم فإنهم يكونون بعد صفوف الرجال.
إذا كان الرجال كثير، صففناهم صفين، كلهم رجال يعني بالغون، وجعلنا الصبيان في الصف الثالث أو الرابع، يعني بعد انتهاء صفوف الرجال، ثم بعد ذلك النساء يكن متأخرات، هكذا ترتيبهم.
لا خلاف في أن النساء يكن خلف، ولكن في الواقع أن الصبيان يقومون في وسط الصفوف، مع أنهم قد يكونون في العاشرة أو دون العاشرة، ومع ذلك يقومون في وسط الصف، وإن كان هذا خلاف الأولى، وذلك لأن الصبي عادة الذي في العاشرة أو الحادية عشر أو التاسعة، يحصل معهم شيء من الحركة، وهذه الحركة قد تشوش على المصلين، فلأجل ذلك يفضل أن يكونوا خلف صفوف الرجال إذا جرى ترتيبهم، هذا ترتيبهم في صفوف الصلاة.
أما ترتيبهم في الجنائز، إذا جاء في جنازة رجل وصبي وامرأة، يلي الإمام الرجل، ثم بعده الصبي، ثم بعده المرأة، المرأة تكون أبعدهم، وكذا لو تعددوا: ثلاثة رجال يلون الإمام، وصبيان يكونون بعد الرجال، ونساء يكن بعد الصبيان، وبذلك يكون ترتيبهم، هذا ترتيب تقديمهم إلى الإمام في الجنائز.
"وإلى القبلة في القبر". إذا دفن اثنان في قبر أو أكثر، فيقدم الرجل مما يلي القبلة، ثم بعده الصبي، ثم بعده المرأة، هذا إذا عجزوا عن أن يجعلوا لكل واحد قبرا.
----
-
موقف المأمومين من الإمام في الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام البعلي رحمه الله تعالى:
فصل
يُسن وقوف الجماعة والمرأة خلفه، والواحد عن يمينه وعن جانبيه جائز، وعن يسرته أو فذ مبطل، ومن لم يقف معه إلا كافر أو محدث يعلمهم أو أنثى أو صبي فهو فذ، ويقوم إمام العراة والمرأة بالنساء وسطًا، ويقدم الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة، كتقديمهم إلى الإمام في الجنائز وإلى القبلة في القبر.
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يتعلق هذا الفصل بموقف المأمومين من الإمام، فالأصل أن الجماعة يتقدمهم الإمام، يكون الإمام صفًّا وحده وهم صف خلفه أو صفوف، واحدًا خلف الآخر، هكذا الموقف، المعتاد أن الإمام يتقدم المأمومين وذلك لمعنى كونه إمامًا، يعني: قدوة يأتمون به ويتابعونه.
في الحديث: إنما جُعل الإمام ليؤتمّ به فإذا كان قُدامهم فإنهم يتبعونه ويتحركون بعد حركته، هكذا جاء في الأحاديث، إذا لم يكن معه إلا امرأة واحدة فإن المرأة تقف خلفه، ولا تقف إلى جنبه وذلك موقف النساء، ولو كان مَحرمًا لها أو زوجًا.
ففي حديث أنس: أن جدته مُليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعته، فأكل ثم قال: قوموا لأصلي بكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث، فنضحته بالماء، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصففتُ أنا واليتيم وراءه، والعجوز خلفنا .
قامت المرأة ولو كانوا أولادها يعني هي جدتهما قامت صفًّا خلفهم وحدها لم يكن معها أحد؛ لأن المرأة لا تصف الرجال ولو كانوا محارم لها فتكون صفًّا وحدها، إذا لم يكن مع الإمام إلا فرد فإنه يصف عن يمينه، إذا كانوا اثنين يكون المأموم عن يمين الإمام.
ذكرنا حديث ابن عباس قال: بتُّ عند خالتي ميمونة، فلما كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوضأ ثم قام يصلي، فجئت فصنعت مثلما صنع، وقمت عن يساره فأدارني عن يمينه هكذا جاء أنه أراده عن يمينه.
وذكرنا -أيضًا- حديث جابر وجبار الذي في آخر صحيح مسلم ذكر أنه لما توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- لصلاة العصر كبّر وحده ثم جاء جابر فصف عن يساره فجاء له عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فصف عن يساره فدفعهما خلفه، فأفاد أن الواحد يصير عن يمين الإمام وأن الاثنين يتقدمهما الإمام.
وكذا الثلاثة وأكثر يجوز أن يقوموا عن جانبيه، أن يتوسط الإمام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ثبت ذلك عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود وصف بينهما فكان هو المتوسط، وذكر أن ذلك من فعل.. أو فعله النبي -صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن يكون الإمام في الوسط.
ولو امتلأ المسجد فإنه يجوز أن يصفوا عن جانبي الإمام إذا كان الإمام في وسط الصف فإنهم يصفون عن يمينه إلى أن يصلوا إلى نهاية الصف وعن يساره إلى نهاية الصف؛ وذلك لأنه يكون إمامًا ولو كان في الوسط، وإن كان الأصل أنه يتقدمهم ويكون أمامهم، ولكن قد يكون المكان ضيقًا فيقومون عن جانبيه.
أما إذا صف عن يساره فقط فإن صلاته باطلة حتى ولو كانوا كثيرا، لو كانوا واحدا عن يسار الإمام أو اثنين أو عشرة ويمينه خال ويساره فيه واحد أو أكثر فهؤلاء لا صلاة لهم.
النبي -صلى الله عليه وسلم- أخر أولئك الذين صفوا عن يساره كابن عباس وجابر فدل ذلك على أنه لا يصح أن يكون عن يساره مع خلو يمينه، وكذلك إذا صلى خلفه وحده أو صلى خلف الصف منفردًا فإنه أيضًا تبطل صلاته.
رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد، وفي الحديث: لا صلاة لمنفرد خلف الصف يعني: إذا كان الصف كاملًا وجاء إنسان فلا يصف وحده، يقع هذا كثيرًا، ويقع الذي لا يجد مكانًا في حرج؛ فلذلك يكثر البحث والسؤال عن الإنسان إذا جاء وقد كمل الصف ماذا يفعل؟
هناك بعض العلماء أجازوا له أن يصلي وحده إذا خاف أن تفوته الجماعة، ولكن بعد أن يبذل الأسباب، في حديث وإن كان فيه ضعف أنه عليه السلام قال لذلك الرجل: هلا التمستَ فُرجة أو اجتررت رجلًا يعني: إذا جاء والصف قد كمل فيلتمس فرجة، وذلك بأن يقرّب هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، وهذا إلى هذا إذا كان بينهم شيء من السعة إلى أن يتسع له فرجة فيدخل فيها، فيكون قد صف في وسط الصف، هذا معنى (هلا التمست فرجة)؛ لأنه قد يوجد بين المصلين شيء من الفرج التي تكون بين اثنين فيقرب بعضهم إلى بعض لعله أن يكون له فرجة.
وأما الاجترار فرخصوا فيه وبعضهم منعه، وهو أن يجترّ إنسانًا فقالوا: لا يجتره بقوة؛ لأن في ذلك تصرفًا في الغير، ولكن يكلمه كلامًا خفيًّا أو يتنحنح له حتى يتأخر معه، ففي حديث أنه قال: فما أعظم أجر المجتذَب الذي يُجتذب ويتأخر له أجر، حيث إنه أحسن إلى ذلك الفذ وصلى إلى جانبه، فما أعظم أجر المجتذب!
ولكن قالوا: لا يجتذبه بقوة فإن هذا تصرف في غيره، وإنما ينبهه بكلمة خفية أو بنحنحة أو ما أشبه ذلك، والذين منعوا الاجتذاب والاجترار قالوا: إنك إذا اجتذبته بقي في ذلك الصف فرجة فتكون قطعتَ هذا الصف. .
والجواب أن هذه الفرجة سيسدونها؛ لأنه يقرب بعضهم إلى بعض حتى يسدوا تلك الفرجة فلا يكون هناك محذور، ولا تكون قطعتَ صفًّا، بل هذا الذي تأخر معك له أجر حيث إنه وصل صفًّا؛ جاء في حديث من وصل صفًّا وصله الله يعني: أنك كنت وحدك فإذا قام معك فأنتما صف، فمن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطعه قطعه الله.
إذا لم يتيسّر أن يتأخر معك أحد وصففت وحدك وركعت معهم وجاءك آخر قبل أن تسجد صحت صلاتك، يعني: أنكم صرتم صفًّا قبل السجود ولو فاته الركوع، يعني: ما أدرك هذه الركعة وأنت أدركت الركعة، ولكن حصل أنك وجدت مَن صُف معك قبل السجود.
يمكن أن يستدل على ذلك بقصة أبي بكرة لما جاء والنبي -صلى الله عليه وسلم- راكعًا يقول: "فركعت قبل الصف ومشيت إلى الصف" يمكن أنه ما وصل إلا بعدما رفعوا، بعدما قاموا وصلهم بينه وبينهم فرجة، فأقره النبي -صلى الله عليه وسلم ولكنه قال: زادك الله حرصًا ولا تعد .
فأفاد بأنه أجزأته صلاته ولو أن ركوعه قبل أن يصل الصف، يمكن أنه مشى وهو راكع، ويمكن أنه مشى بعدما قام، فدل على أنه إذا صف معه أحد بعد الرفع وقبل السجود أصبح صفًّا ولا يصبح فذًّا، إذا لم يجد من يقوم معه وكانوا متراصين ولم يتيسر أن أحدًا يتأخر معه فله أن يخرق الصف ويقوم عن يمين الإمام؛ وذلك لأن الوقوف عن يمين الإمام جائز، لأنه يعتبر كأنه غير فذ إذا وقف معه أحد ولو الإمام.
ولا يقوم عن يساره، ولو كان بينه وبين الإمام حديدة المكبر يعني بينه وبين الإمام نحو شبر أو نحو ذلك، كثيرًا ما يجعل الأئمة المكبر ولاقطته عن يمينه والأولى أن يجعله عن يساره إذا خيف من مثل هذه الحالة.
قد تكون الصفوف كثيرة ولا يقدر أن يخرق هذه الصفوف، وتكون كلها متراصة، وليس فيها فرجة ويخشى أن تفوته صلاة الجماعة إذا جاء ولم يبق إلا ركعة، ولم يتيسر أحد أن يقوم معه، ولا أن يجد فرجة بينهم، ففي هذه الحال لو صلى منفردًا أجزأته صلاته؛ لأنه بذل الجهد، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .
فهذا لم يستطع أن يصف في الصفوف، ولو فاتته الصلاة فاته خير كثير، فاته سبع وعشرون درجة، ربما يصلي وحده فنقول: إن عليه والحال هذه أن يصلي وحده وتجزئه صلاته؛ لأنه فعل ما يقدر عليه.
يقول: ( ومن لم يقف معه إلا كافر فإنه فذ )، إذا وقف معه خلف الإمام كافر، هذا الكافر لا صلاة له فيعتبر كأنه صلى وحده خلف الصف، وصلاة المنفرد خلف الصف باطلة كما سمعنا، أو وقف معه إنسان محدث وهو يعلم أنه محدث، جاء وقال: صف معي فقال: أنا ما توضأت، فقال: صف معي ولو كنت محدثًا، نقول: إنه لا يزال فذًّا لا صلاة له؛ وذلك لأن صلاة المحدث باطلة غير معتبرة، فكذلك الذي صَفَّهُ تعتبر أيضًا صلاته باطلة.
أما إذا كان لا يعلم، لا تعلم أنه محدث جاء وصف معك ولا تعلم فإن صلاتك مجزئة؛ ذلك لأنك اعتمدت أنك في صف، وكذلك إذا لم تجد من يصف معك خلف الصف إلا امرأة، فإنه لا يصح أن تصف المرأة مع الرجال، فيعتبر فذًّا لا صلاة له، ويدخل في قوله: لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف .
( أو لم يصف معه إلا صبي دون البلوغ ) يعني: لم يحتلم ولم يبلغ، فإنه يسمى فذًّا ليس بمصلٍّ، أما إذا كان قد قارب البلوغ، يعني: قد بلغ إما بالإنبات وإما بالاحتلام، ولو كان ابن عشر أو اثنتي عشرة فإنها تصح مصافته وإلا فإنه منفرد.
( يقوم إمام العراة وسطهم) ، إذا كان كلهم عراة -نسأل الله السلامة-، لو قدر أنهم ثلاثة أو خمسة كلهم عراة، أمامهم مثلهم عار، يعني حتى منكشف السوءتين، فأنه يصلي في وسطهم.
وذكر بعضهم أنهم يصلون جلوسا؛ إذ يكون ذلك أستر لعوراتهم، ولا يتقدمهم الإمام؛ لأنه إذا تقدمهم بدت لهم عورته، بل يصير وسطهم، هكذا اختار كثير، ورأى بعض العلماء أنهم معذورون، وقال: إذا أجزنا صلاتهم وهم عراة، فلماذا لا نأمرهم بالقيام؟ القيام ركن من أركان الصلاة وهم معذرون، فيصلون قياما ولو بدت عوراتهم للناظرين؛ لأنهم معذرون، وإذا كان كذلك أيضا، فلا مانع من تقدم الإمام أن يصلي بهم أمامهم؛ وذلك لأن اسمه الإمام، ولأن الأصل أن الإمام يتقدم المأمومين. العمل على أنهم يصفون صفا واحدا وإمامهم في الوسط.
المرأة في النساء أيضا تقوم في صفهن، تكون في وسطهن، وقالوا: لا تتقدم؛ لأن تقدمها يبين لهن حجم أعضائها، ويتبين لهن عند ركوعها وسجودها شيء من بدنها، فتكون وسطهن، هكذا اختاروا.
ورأي أيضا بعض العلماء أنها تتقدم كما يتقدم الرجل الرجال، وذلك لأن هذا هو المعتاد، روي عن عائشة أنها صفت في وسط النساء، فاعتبروا ذلك دليلا، ولعله من باب الاجتهاد.
"إذا كانوا جماعة" . إذا كانوا مثلا جماعة في بيت، أو مسافرون وفيهم رجال وصبيان ونساء وخناثى، فكيف نرتبهم؟
يرتبهم الإمام، فيقول: الرجال البالغون يكونون في الصف الأول الذي يلي الإمام، ثم بعده الصبيان الذين دون البلوغ يصفون في الصف الثاني، ثم بعده الخناثى إذا كانوا مجموعة يصفون في الصف الثالث، ثم النساء يكن هن المتأخرات، وإذا لم يكن هناك خناثى فيلي الإمام الرجال، ثم بعدهم الصبيان، ثم بعدهم النساء، هكذا قالوا.
ولكن لا مانع من أن يصف الصبيان في وسط الصف الأول، إذا كانوا مميزين وتقدموا، إلا أنهم يكونون في أطراف الصف؛ لأنه جاء في الحديث: ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم فيفضل أن الرجال البالغين أهل الأحلام والنهى هم الذين يقفون خلف الإمام، الصبيان يكونون في وسط الصف الأول، ولكن في أطرافه من الجانبين، وإن جرى ترتيبهم فإنهم يكونون بعد صفوف الرجال.
إذا كان الرجال كثير، صففناهم صفين، كلهم رجال يعني بالغون، وجعلنا الصبيان في الصف الثالث أو الرابع، يعني بعد انتهاء صفوف الرجال، ثم بعد ذلك النساء يكن متأخرات، هكذا ترتيبهم.
لا خلاف في أن النساء يكن خلف، ولكن في الواقع أن الصبيان يقومون في وسط الصفوف، مع أنهم قد يكونون في العاشرة أو دون العاشرة، ومع ذلك يقومون في وسط الصف، وإن كان هذا خلاف الأولى، وذلك لأن الصبي عادة الذي في العاشرة أو الحادية عشر أو التاسعة، يحصل معهم شيء من الحركة، وهذه الحركة قد تشوش على المصلين، فلأجل ذلك يفضل أن يكونوا خلف صفوف الرجال إذا جرى ترتيبهم، هذا ترتيبهم في صفوف الصلاة.
أما ترتيبهم في الجنائز، إذا جاء في جنازة رجل وصبي وامرأة، يلي الإمام الرجل، ثم بعده الصبي، ثم بعده المرأة، المرأة تكون أبعدهم، وكذا لو تعددوا: ثلاثة رجال يلون الإمام، وصبيان يكونون بعد الرجال، ونساء يكن بعد الصبيان، وبذلك يكون ترتيبهم، هذا ترتيب تقديمهم إلى الإمام في الجنائز.
"وإلى القبلة في القبر". إذا دفن اثنان في قبر أو أكثر، فيقدم الرجل مما يلي القبلة، ثم بعده الصبي، ثم بعده المرأة، هذا إذا عجزوا عن أن يجعلوا لكل واحد قبرا.